4: ان التحريف والدس والتزوير لم يقتصر على صغار المحدثين ومن لا يعتد بمنزلتهم، فقد ابتلي بهذا الفعل أئمة الحديث وشيوخ الرواية مثل ابن لهيعة الذي كان عالم الديار المصرية، والذي كان يسرق الأحاديث ويرويها فيكتب عنه التلاميذ هذه الأحاديث المسروقة ويدونون وتنتقل إلى من يليهم من التلاميذ جيلا بعد جيل.

وابن لهيعة مع انه اشتهر عند الخاص والعام بسرقة الأحاديث إلا ان أحمد ابن حنبل كان يمتدحه ويكتب عنه، وكان أبو داود يقول: (وسمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟ وحدث عنه أحمد بحديث كثير)([231])وهذا يعني ان أكاذيب ابن لهيعة وسرقاته قد انتقلت إلى أحاديث أحمد بن حنبل ومدوناته.

5: ان الرواة الثقات والشيوخ الأثبات قد تورطوا أيضا في قلب الأسانيد وتصحيف الألفاظ والخطأ في التدوين ورفع المراسيل، ولكن أهل السنة ولأنهم احتاجوا إلى كتبهم بعد حين أخذوها على علاتها وانتشرت بين العامة على رغم معائبها ونقائصها.

6: كان هنالك معامل ومصانع خاصة لتصنيع الأحاديث والسنن المكذوبة وتسويقها وروايتها وتدوينها، كتلك البيوت التي عرفت بان عامة أهلها كانوا يضعون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انه ربما كان بعضهم يسهر عامة ليله يضع الحديث، فالله سبحانه وحده العالم كم من هذه الأحاديث قد دونت وأدخلت في كتب السنن ووصلتنا على أنها أحاديث رواها فلان في سننه أو فلان في صحيحه أو فلان في مستدركه.

[231] سؤالات الآجري لأبي داود لسليمان بن الأشعث ج2 ص176.