إلا أن المشكلة تقع في
نفس الإنسان فهو يرى بما خلق الله تعالى فيه من قوة العقل والروح أنه الأقوى
والخصم الذي لا يهزم فهو لدود([143])، ومجادل شرس إلى الحد الذي
يرى في نفسه أن الموت والحياة والصحة والمرض والغنى والفقر والعسر واليسر بيده
يتحكم بها كيف يشاء.
ومن هنا:
نشأت الفرق والتحزبات والفئات والوثنية والطاغوتية والجبروتية ومن ثم أصبح
لدى الإنسان خليط من التشريعات والمعتقدات والمفاهيم بعد أن ترك لقواه النفسية
العنان في سوقه إلى تلك القوى وتجاذباتها والأهواء وسطواتها جازماً بصواب رأيه وخطأ
خصمه مندفعاً إلى إقصاء مخالفيه في أقل الأحوال إن لم يكن قد أطفأ صوت غيره وغيب
شخص مخالفه.
ومن ثم: كيف يقنع بأن هذا الدين كان له نخبة اصطفاها الله تعالى وهو يرى
في نفسه أنه المؤهل لفهم الشريعة إن لم يندفع إلى الاعتقاد بأنه أحد أعمدتها يلحقه
ما يلحقها من الشرافة والقدسية والشأنية والخدمة، فمفهوم خدمة الشريعة يعني خدمته
التي منحها كل بركاته ورضاه.
[143]قال تعالى في سورة يس، الآية: 7: ((أو لم ير الإنسان أنا
خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين)).