سر هذه الألقاب والتسميات إلى أن
علمت أن الرجل قد وقف في حياته نفس المواقف الشجاعة التي وقفها سميه من قبل أمام
السلاطين الكبار المستبدين.
بعد
أن سمعت ما سمعت من أخبار شجاعة السرهندي مما امتلأت نفسي له طربا سألت شيخي أحمد
الرفاعي متعجبا، ونحن سائران إلى القسم، قلت: أليس من العجب أن يوضع هذه الشيخ
الفاضل الشجاع في هذا القسم؟
ابتسم
الرفاعي، وقال: إن قلع الجبن لا يمكن أن يكون إلا من طرف الشجاع الذي تحدى الصعاب..
هو وحده الذي لديه الخبرة الكافية لأن يخلص كل جبان من جبنه.. فليست الشجاعة إلا
التخلص من الجبن والضعف الذي يفرزه الجبن([88]).
دخلت
القسم.. وكان أول ما سمعته في حلقه الدرس قول بعض التلاميذ: يا شيخنا.. لقد قدمنا
هنا من بلاد بعيدة، ونحن نريد منك أن تخلصنا من الجبن.. فقد امتلأت قلوبنا رعبا،
ونفوسنا ضعفا، وصرنا مسخرة للناس..
قال
آخر: لقد وصفنا حالنا بعضهم، فقال: (إن أحسّ بعصفور طار فؤاده، وإن طنّت بعوضة طال
سهاده، يفزع من صرير الباب، ويقلق من طنين الذّباب، إن نظرت إليه شزرا أغمي عليه
شهرا، يحسب خفوق الرّياح قعقعة الرّماح)
قال
آخر: وقد علمنا أنه لا يمكن استئصال أمراض النفوس دون التعرف عليها، وعلى الجذور
التي تمدها بالحياة.
[88]
سنرى تفاصيل أخرى ترتبط بهذا الموضوع في مبحث (الشجاعة) في فصل (شديد) من هذه
الرسالة.