لقد بدأ رسول الله (ص) ببيان خيرية المؤمن القوي، وهي خيرية مطلقة من كل قيد، تجعل كل مؤمن
يبحث عن كل أسباب القوة لتتجلى فيه الخيرية بكمالها وشمولها.
ثم أمر (ص)
بالحرص على ما ينفع، وذلك لأن القوة قد تستغل فيما لا ينفع، فتكون على وبالا على
ما ينفعها.. فلا يكفي أن تكون لدينا قوة، بل يجب أن نعرف أي نضعها، وكيف نستثمرها،
وإلى من نوجهها.
لقد رأيت بعض الشباب في فترة من الزمن يتدربون على جميع
أنواع القوى، فقرت عيني بذلك، وقلت في نفسي: هؤلاء هم ورثة محمد (ص)، وبهؤلاء سوف يقوم دينه، وسوف يدخل
الناس في دين الله أفواجا.. لكني ما لبثت حتى رأيتهم يحملون بقواهم على إخوانهم من
المسلمين، فعرفت أن القوة التي لا توجه التوجيه النافع لن تزيد صاحبها إلا ضعفا.
ثم أمر (ص)
بالاستعانة بالله.. ذلك أن الله هو القوي.. ومن استعان به أمده بالقوة التي تنهد
لها الجبال.
وذلك يدل على وجوب الاهتمام بالقوة الروحية للجيل القوي الذي
نريد تأسيسه، فقوة الإيمان هي القوة الوحيدة التي لا يمكن لأحد في الدنيا قهرها.
ثم نهانا النبي (ص) أن نتألم لما مضى.. وهذا يدل على أن القوي هو الذي يفكر في كيفية
صناعة مستقبله لا الذي يكون طريحا لماضيه.. لقد قال الله تعالى يذكر هذه المعيقات
الخطيرة التي تقف في وجه القوة:﴿ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا
تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (الحديد:23)
قال مطهري: لقد مثل النبي (ص) بسلوكه وفي حياته جميع القوى التي تملأ
الفرد المسلم بالإيجابية.. فلذلك لن يصعب علينا بث مثل هذه الأفكار للجيل القوي
الذي نريد تأسيسه.. فمن السهل أن نذكر لهم أن القوة بجميع معانيها هي سنة النبي (ص).. لنجدهم جميعا بجميع ما أوتوا من
الطاقات يسرعون إليها ويهرولون.
قال الشعراوي: نعم.. لقد جمع الله أنواع القوة في رسول الله (ص)، فلذلك كان السابق في كل شيء:
ففي الصلاة
وعبادة الله، كان (ص) هو النموذج الأكمل
للعابد الذي لا يفتر ولا يمل([566])..
وذلك يدل على أنه (ص)
كان صاحب قوة روحية عالية، لأنه لا يمكن أن تتأسس جميع القوى من
دون تلك القوة الروحية العالية.
قال مطهري: وهكذا كان رسول
الله (ص) في جميع أنواع القوة
الأخرى، ففي قوة السيطرة على دوافع الحرص التي تمتلئ
[566] انظر المزيد منها في رسالة (النبي الإنسان)، فصل (العابد) من هذه
السلسلة.