قال إقبال: أنتم تعلمون أن الإسلام يؤسس دولته على الأفراد..
بل على نفوس الأفراد.. فكل فرد في الإسلام كيان قائم بذاته، له حرمته، وله سلطته،
فلا يحتاج إلى أي جماعة أو حزب حتي يثبت وجوده.. بل هو بذاته حزب يمكنه أن يواجه
من يشاء، وينصح من يشاء، ويعارض من يشاء.
لقد قال رسول الله (ص) يذكر ذلك:(المسلمون تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم
اقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومسرعهم على قاعدهم)([563])
وقال في الحديث الآخر الذي يحمل الأمة جميعا بجميع أفرادها
مسؤولية النصح والتقويم:(إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة)
قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولائمة المسلمين وعامتهم)([564])
قال القمي: وهذا يحوج إلى المسلم القوي، فلا يمكن أن يؤدي
النصيحة بتمامها وكمالها إلا من اكتملت له جميع أسباب القوة.. فهو قوي بنفسه، قوي
ببدنه، قوي بهمته، قوي بعزيمته..
قال الشعراوي: لقد جمع النبي (ص) كل ذلك، فقال في دعائه لربه:(اللهم إني
أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل،
وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)
انظروا.. ألا ترون في هذا الدعاء كيف أن النبي (ص) قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر
الضعف: ضعف الإرادة بالهم والحزن، وضعف الإنتاج بالعجز والكسل، وضعف الجيب والمال
بالجبن والبخل، وضعف العزة والكرامة بالدين والقهر؟
قال شكيب: بل إن النبي (ص) صرح بذلك بقوله:(المؤمن القوي خيرٌ وأحب
إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خيرٌ. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا
تعجز. وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما
شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)([565])
انظروا.. إن هذا الحديث يدلنا على جميع أركان القوة التي
يتأسس عليها بنيان المؤمن: