قال: أجل.. فلم يكن له حديث إلا عن الهداية.. وقد سألته أول
ما زارني عن أسرار الهداية التي تقضي على كل ضلال، فقال: سر في الأرض.. فلن ينال
الهداية ولا علوم الهداية إلا من سار في الأرض، وخبر البشر، وتعلم لغة الطير، وسلك
مسالك النحل، وسكن قرى النمل.
قلت: إن هذا الرجل يلغز ولا يهدي..
قال: أحيانا تلبس الهداية لباس الألغاز.. وتحتاج العبارة إلى
ثوب إشارة.
قلت: هل فهمت مراده؟
قال: أجل.. لقد فهمت مراده.. فقد وضح لي لغزه هذا بلغز
أمكنني أن أبحث عنه.. وأعيش فترة من حياتي في البحث عنه.
قلت: فما قال؟
قال: لقد قال لي: ترياق الهداية يحتاج إلى عشرة أوصاف لن
تنالها إلى في عشرة حضائر، ومن عشرة أفواه..
قلت له: فما الفم الأول؟
قال: الفم الذي يعرف للمراتب حقها.. فلا يتجاوز بها منازلها.([4])
قلت له: فما الفم الثاني؟
قال: الفم الذي يسيل ما جف من الدموع، ويلين ما قسا من
القلوب ([5]).
قلت: فما الفم الثالث؟
[4] أقصد به (الحكيم)، وهو الفصل الأول من هذه الرسالة.
[5] أقصد به (الواعظ)، وهو
الفصل الثاني من هذه الرسالة.