نظرت فإذا هيكل عظمي ملأني بالرعب، فقال: هذا هو صاحبها.. لقد
استعملت كل الأساليب لأنقذه، فلم يستجب.. وأبى.. بل تصورني لصا يريد أن يسرق
سيارته.. فلما أكثرت من الإلحاح أخرج بندقية من سيارة وصوبها في وجهي، وقال: (إن
لم تغادر أيها البدائي هذا المحل، فسأقتلك بسلاحي هذا)
قلت: فأنت الآن تشفي غيظك بالنظر إلى جثته.
قال: لقد حزنت عليه حزنا شديدا.. وعندما طردني بكيت..
قاطعته قائلا: عليه.. أم على نفسك؟
قال: بل عليه.. فأنا أعلم أن المصير الذي كان ينتظره هو هذا المصير..
لقد حاولت أن أستشفع له بدموعي لكنه ضحك ضحكة عالية، وقال: لا مكان هنا للعواطف..
هنا القوة.. القوة وحدها هي التي تحميك.
قلت: فأين ذهبت قوته؟
قال: كان المسكين يكذب على نفسه.. فليس هناك إلا قوة واحدة
في هذا الوجود.. وكل ما عداها ضعف.. وليس هناك إلا حصن واحد.. وما عداه مفازة.
قلت: من أنت؟.. وما الذي جعلك تمارس هذه الوظيفة؟.. وما هي
الأجور التي تتقاضاها؟
قال: أما أنا فرجل من أرض الله اسمه (محمد الهادي).. وأما
وظيفتي فهداية من انقطعت به السبل، واحتارت به الطرق.. وأما الأجر الذي أناله فهو
نجاة من نجا، وهداية من اهتدي.. يكفيني أن أرى من أنقذته يسير بعافية في وسط أهله
وماله وولده.
قلت: إن أمرك عجيب.. لا بد أن لك قصة غريبة.. فحدثني حديثها.
قال: لك ذلك.. فلا تقطع مثل هذه الطريق الطويلة إلا
بالأحاديث.
قلت: من أين تبدأ قصتك؟
قال: من الضلال تبدأ قصتي..
قلت: عجبا.. أقصة الهادي تبدأ من الضلال؟
قال: أجل.. ألم تسمع قوله تعالى:﴿ وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى﴾
(الضحى:7)