responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 504
هذه هي رحمة محمد، وسَعة صدره، وسجاحة خُلُقه، وكرم نفسه؛ يدعو بالخير للذين آذَوه بالشرّ أشدّ الأذى، وأبَوا أن يجيروه حين استجار بهم، ثم قاتلوه أشدّ القتال، ومع كل هذا؛ لم يسأل الله لهم إلَّا أعظم ما يعلمه من الخير ـ وهو الهدى ـ! أرأيتُم رجلًا آخر في الدنيا بلغت الرحمة من قلبه هذا المبلغ؟

دارت رحَى الحرب علَى المسلمين بعد أن كانت الغَلَبَة لهم؛ وذلك لأنهم خالفوا أمر محمد، واستهوتهم أموال المشركين؛ فاشتغلوا بجمع الغنائم، وحينئذ كرّ عليهم العدو؛ فانهزموا وزُلْزِلت أقدامهم؛ فأحاط المشركون بمحمد؛ ورَمَوه بالسهام والحجارة، وقاتلوه بالسلاح؛ فانكسرت ثَنيّته، وشُجّ رأسه، ودخل فيه ثلاث حلقات من البيضة، وتضرّج بالدم؛ فلم يزد في ذلك الموقف الرهيب علَى أن قال: (كيف تفلح أمة تقتل نبيَّها؟ اللهمّ اهْدِ قومي فإنهم لا يعلمون)

إذا كان المسيح قد قال في عِظَة الجبل: (أحبب عدُوَّك)؛ فإن محمدًا لم يقتصر علَى إرشاد الناس بلسانه بأن يحبوا أعداءهم؛ بل أراهم بسيرته وعمله كيف يكون موقفهم من أعدائهم.

إن عبد ياليل ـ وأظنكم تذكرون اسمه ـ قد جبه محمدا هو وعشيرته بالمكروه وآذَوه أذًى شديدًا، فلما نزل مع قومه علَى محمد في المدينة ـ بعد ذلك ـ ؛ أنزله في مسجده، وضرب له قبّة فيه، وجعل يزوره بعد كل عشاء، ويقصّ عليه ما كان يلقَى وهو في مكة من عَناء وجهد.. ومَن هو عبد ياليل؟ هو الَّذِي استقبل محمدا في الطائف بالأذَى، ورجمه بالحجارة، وسامه الخَسف.. فهل عُهِدَ من أَحَد فيما مضَى أن يحب عدوه، ويعفو عنه بمثل هذِهِ السماحة عند المقدرة؟

ولما فتح المسلمون مكة ودخلوها أعزة ظافرين؛ اجتمع رجال قريش وأشرافها بفناء المسجد الحرام، وفيهم مَن كان قد شتم محمدا وأذاقه ضروب الأذى، وفيهم مَن كان قد ائتمر عليه بالقتل، وفيهم مَن كذَّب برسالته وافترَى عليه، وفيهم مَن قاتله وتذرَّع بكل وسيلة لمحو الإسلام، وفيهم مَن طعنه بالرُّمْح وضربه بالسيف، وفيهم مَن آذوا فقراء المسلمين وضعفاءهم وكووا صدورهم وظهورهم بالجمر الملتهب، كل أولئك من رجال قريش وساداتها كانوا يوم فتح مكة واقفين مُنكِّسي رؤوسهم صاغرين، ولعلهم كانوا يتذكرون ما سلف منهم، وتحز ذكراه في ضمائرهم، مترقِّبين أن يُوقِع بهم محمد جزاءَ ما اقترفوا، وحُقّ لهم أن يخافوا؛ فإن الَّذِي أَجْلَوه عن وطنه، وأخرجوه من داره؛ قد عاد إليهم فاتحًا عزيزًا يقود تحت راياته عشرة آلاف من الأبطال الباسلين الَّذِين ينتظرون أوامر سيدهم لينفِّذوها.

في ذلك الموقف الرهيب سألهم محمد: ماذا ترون أني فاعل بكم؟

نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 504
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست