سرنا في الزاوية إلى ركن
من أركانها قد جلس فيه قوم كالأولين.. ولكنهم كانوا يقرأون أحاديث.. ثم يرددون
بعدها أذكارا يستغرقون فيها.
أشار إلينا جعفر أن نجلس
إليهم، فجلسنا، من غير أن يشعروا بنا.. كانوا يرددون بصوت روحاني عذب هذه العبارة
(سبحان الله وبحمده)، ويمتزجون فيها ويطربون، ثم فجأة يتوقفون، ويتحدث أحدهم،
ويقول: لقد قال رسول الله (ص) لصاحبه أبي ذر: (ألا
أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟)، ثم يقول له: (إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله
وبحمده)([40])
قال آخر: إن سبحان الله
والحمد لله جمعتا كل ما يحتاجه العارف من معرفة الله.. وجمعتا كل ما يحتاجه السالك
للتحقق بمعرفة الله..
فـ (سبحان الله) تنزيه لله
عن كل ما لا يليق به.. والمريد السالك هو الذي يبدأ فينزه الله عن كل ما لا يليق
به، فلا يمكن أن يتحقق بمعرفة الله من يحمل في وعيه بذور التشبيه والشرك التي تدنس
محل الإيمان من قلبه.
و(الحمد لله) إثبات
الكمالات لله بشمولها وتمامها.. فلا يمكن أن يعرف الله من لا يعرف كمال الله.
قال آخر: فيا نفوسنا
المملوءة بالدنس تطهري بهذه الوصفة التي وصفها أعرف العارفين بالله لتقطعي من
جذورك كل ما يحجبك عن الله من سوء المعرفة بالله.
ما إن قال ذلك حتى راحت
الجماعة تعاود الكرة.. وتلهج بـ (سبحان الله وبحمده)، وتستغرق فيها.
تركناهم، وانتقلنا إلى
جماعة أخرى كانت تردد بصوت روحاني عذب (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله،
والله أكبر)، ثم تتوقف هي الأخرى، ويتحدث أحد أفرادها، ويقول: لقد كان أعرف
العارفين بالله يقول عن هذا الذكر: (لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا
الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)([41])