responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 489
قال الرجل من القوم: ولكن المسيح هو الذي صاح بما لم يصح به أحد حين قال: (تحب الربَّ إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. أحبب أعداءك. مَن لطمك علَى خدك الأيمن؛ فحوِّل له الآخر ِأيضًا. مَن سخَّرك ميلًا فاذهب معه ميلين. مَن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك؛ فاترك له الرِّداء أيضًا. اذهب وبِع أملاكك وأعط الفقراء. واعفُ عن أخيك سبعين مرة. يعسر أن يدخل غني إلَى ملكوت السماوات)

ابتسم السيد سليمان، وقال: إن ما تقوله وأمثاله لا شك أنه من الموعظة الحسنة المحبّبة إلَى النفوس، لكنها لا تُعَدّ سيرة ما لم يُقتَرن بها العمل.. نعم؛ إنها قول ليّن، وحديث لذيذ، ولكن الَّذِي لا يَغْلِب عدوّه؛ كيف يتسنَّى له العفو، ومَن لا يملك ومَن لا يكون له مال؛ كيف يتصدّق علَى الفقراء والمساكين واليتامَى، وكيف يقضي لهم حاجاتهم؟ ومَن لا زوج له ولا ولد ولا أهل؛ كيف تكون حياته أسوة للأزواج وذوي البنين والمتأهِّلين وهم هم الناس الَّذِي تعمّر الدنيا بهم؟ ومَن لم يتفق له أن يصفح عن أحد في حياته؛ كيف يقتدِي به مَن كان شديد الغضب سريع البادرة؟

سكت قليلا، ثم قال: الحسنات قِسمان: سلبيّة وإيجابيّة.. وأنتَ إذا اعتزلت الدنيا في غار بسفح جبل؛ تعبد فيه ربك، ولم تبرحه طول حياتك، تصرف فيه أوقاتك بالتبتّل إلَى الله؛ فإنّ أحسن ما يقال في مَدْحِك: أنك اتقيتَ الشرّ، ولم تقترف سيئة تُذَمّ عليها.. نعم إن ذلك من الحسنات.. ولكنها حسنات سلبيّة.. وهي لا تكفي وحدها.

ولذلك فإن الكمال يطالبك بالحسنات الإيجابية.. هل حملتَ كلًّا، أو نصرتَ مظلومًا، أو كسبتَ مُعْدَمًا، أو أطعمتَ جائعًا، أو كسوتَ عاريًا، أو ساعدتَ فقيرًا، أو ذُدتَ عن ضعيف، أو هديتَ ضالًّا؟

إن الأخلاق الحسنة ومكارمها.. من العفو، والسماحة، والقِرَى وبذل المال، والصَّدْع بالحق، والحميّة في قمع الباطل، والجهاد في أداء الواجب.. وغيرها.. لا تُعَدّ مكارم أخلاق لأجل ترك الدنيا والتبتّل في عُزْلَة عن المجتمع، وليست الحسنات من الأمور السلبيّة فحسب؛ بل معظم الحسنات ترجع إلَى العمل الإيجابيّ الَّذِي يقوم به المرء، ولا يكفي فيها ترك المعاصي واجتناب السوء.

ولهذا، فإن الإنسان ينشد مثالًا يقتدِي به في كل عمل يُقْدِم عليه؛ في غناه وفقره، وفي سِلْمه وحَربه، ويتحرَّى السبيل الَّذِي يسلكه إذا تزوج أو بقي عزبًا، ويريد أنموذجًا عاليًا يأتمّ به إذا عَبَدَ ربه أو عاشر الناس، ويحاول أن يلمّ بالقوانين الَّتِي ينبغي العمل بها بالنسبة إلَى الراعي والرعيّة، والحكَّام والمحكومين.. وجميع هذِهِ الأمور ينبغي للمرء أن يتَّخِذ لنفسه القدوة فيها؛ لأن الأمم قد التوَت عليها هذِهِ المسألة؛ فأهمها التماس الطريق الموصِل إلَى حلّ هذِهِ المعضلات، وتذليل هذِهِ المصاعب. ومعظم الشعوب تشعر بالحاجة

نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 489
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست