الشديدة إلَى
المُثُل العُلْيا في ذلك؛ لتخفِّف عن الإنسانية آلامها، وتأسو جراحها، وهي متلهِفة
علَى مثال لذلك من الأعمال، لا علَى مثال عليه من الأقوال.
قال رجل من الجمع: فهل في
تاريخ البشرية من اجتمعت له كل هذه الكمالات، حتى صار المنارة التي تهتدي بها جميع
سفن العالم؟
قال: أجل.. لابد أن توجد
مثل هذه المنارة.. وإلا تاهت جميع سفن العالم في ظلمات المحيطات.. ولالهتمتها كل
الغيلان.
قالوا: فأين وجدت هذه
المنارة؟
قال: في محمد.. لقد رأيت
أنه الإنسان الوحيد الذي توفر له من الظروف، وكان له من المواقف ما يجعله الإنسان
الكامل الذي يصح اعتباره الأنموذج الأكمل للإنسان.
قالوا: إن إثبات مثل هذا
صعب.
قال: ولكنه ليس مستحيلا..
لقد وضعت منهجا للتحقق من ذلك، يقوم على ثلاث دعامات:
الأولى: الشهادات التي
يبثها المخالطون، سواء كانوا من المقربين منه الموالين له، أو من المبعدين
الساخطين عليه.
والثانية: السلوك الذي
سلكه في حياته ومدى انطباقه على ما كان يدعو إليه.
والثالثة: الآثار التي
تركها.. والتي يصح لها أن تعبر عنه.
قال رجل من الجمع: نوافقك
في صحة هذا.. فما ذكرت من الدعامات كاف ليدلك على ما تريد.. فهل طبقتها على ما ورد
عن محمد.
قال: أجل.. وقد بدأت
بالشهادات.. وبدأت بأقرب الناس إلى محمد.. زوجه وأقاربه الأدنون.. لقد بحثت
في ذلك، وأنا أعلم أن أعظم الناس وأجلهم إذا انقلب إلَى بيته كان فيه رجلًا من
الرجال وواحدًا كأحد الناس، لقد قال فولتير: (إن الرجل لا يكون عظيمًا في داخل
بيته، ولا بطلًا في أسرته)؛ أي أن عظمة المرء لا يعترف بها من هو أقرب الناس إليه؛
لاطلاعه علَى دخيلته في مباذله.
ولكني عندما رحت أستقصي في
سيرة محمد وجدت أن أول من آمن به زوجه..
لما جاء محمد في تلك
اللحظات المشرقة إلى زوجه خديجة يخبرها بما نزل عليه