الأرض
العامرة، وتحوّلت إلَى صحاري قاحلة، ولأصبحت المدن خرابًا أو أرضًا جرداء!
قال رجل من الجمع: فقد
عزلت بوذا إذن من أن يكون رجل هذه الناحية؟
قال: نعم.. ولكني لم
أعزله، وأنا أهينه بعزلي، وإنما عزلته لأن مقاييس بحثي لم تنطبق عليه.. فلا يمكنني
أن أكلف نفسي ولا الناس عنتا بأن أسير خلف من ليس لدي من سيرته ما يمكنني من السير
خلفه.
قال الرجل: وحياة موسى..
ألم تر فيها ما تبحث عنه.
قال: لقد بحثت فيها بحثا
طويلا مفصلا.. ولكني لم أجد في حياته ـ حسب الأسفار الخمسة من التوراة ـ إلَّا
قتاله وقيادته في الحرب وبسالته فيها، أما النواحي الأخرَى من حياته ـ كالحقوق في
أمور الدنيا، والفرائض والواجبات ـ ؛ فلم أرها واضحة جلية بحيث يمكن السير على
منوالها..
قال الرجل: فقد عزلته إذن
كما عزلت بوذا؟
قال: عزل احترام لا عزل
احتقار.. لقد علمت أنه عظيم.. ولكني لم أجد في سيرته ما يكفي لأن أجعله الأنموذج
الأكمل للإنسان.
صاح رجل من بعيد: لاشك أنك
وجدت هذا الإنسان في المسيح.. فهو الوحيد الذي نقلت لنا سيرته بالتفصيل.. فالأناجيل
لا هم لها إلا ترديد كل ما ورد عنه.
قال: لقد بحثت في سيرة
المسيح لأرى مدى اكتمال هذه الناحية فيها..
فوجدت أن المسيح عاش عيشة
المغلوبين المحكومين؛ فلهذا لم أجد في حياته مثالًا من واجبات الحاكم الغالِب.
ووجدت أنه لم يكن له زوجة؛
ولذلك لم أر في حياته مثالًا لما ينبغي أن يتبادله الزوج والزوجة من واجبات وحقوق،
خصوصًا وأن الَّذِي بين الزوجين من الصِّلَة أوثق وأشدّ من الَّذِي بين الأولاد
وآبائهم؛ كما جاء في سِفْر التَّكوين (انظر: سِفْر التكوين (1: 27 و8: 15 ـ 19)
لقد وجدت أنّ معظم سكان
هذِهِ الدنيا يعيشون عيشة الأزواج.. ولذلك، فإنهم لن يجدو في حياة المسيح أي موضع
أسوة في هذا الجانب.
بل إني ـ حتى في الأمور
التي يستوي فيها المسيح مع سائر الناس ـ لم أجد فيها من النصوص ما أستشف منه كيف
كان المسيح في حياته.