وكان ذلك يستدعي
تمييز دور كل يد، بحيث لا تختلط الوظائف.. وقد رأى النبي من الحكمة المراعية للفطرة تخصيص يد للتنظيف، ويد
للطعام حفاظا على الطعام من مخاطر التلوث، ولهذا قالت عائشة: (كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان
من أذى)([740])
قال الولد: صلى الله عليك
يا رسول الله وعلى آلك الطاهرين.. ما أعظم حرصك علينا.. وما أعظم منن الله بك
علينا.
شعرت بتأثر عظيم لهذا
المشهد، ابتدرت له عيوني بدموعها.. فخرجت بعد أن دفعت ثمن ما أكلته.. وكان مبلغا
زهيدا، مقارنة بما أكلته وما تعلمته..
بعد أن خرجت من المطعم،
رحت أبحث عن فندق لأقيم فيه في انتظار قدوم الوارث..
ما سرت قليلا حتى رأيت
فندقا يتربع على ساحة خضراء مزينة بأنواع النباتات والزهور.. فذهبت إليه.. وقد شد
انتباهي الصمت المطبق الذي كان يشمل الفندق مع أننا كنا في الظهيرة.
في المدخل أوقفني البواب..
وقال لي بصوت قريب إلى الهمس: تعال يا أخي، ولا ترفع صوتك، ولا تضرب برجليك على
الأرض.. فأهل الفندق الآن في قيلولة.
قلت: وما (قيلولة)؟
قال: سنة من سنن نبينا..
ونحن نهتم بها ونحرص عليها، لأنا نعلم أن رسول الله (ص) لم يأمرنا بها إلا لما يعلمه من الخير المرتبط
بها.
قلت: وكيف عرفت أنها سنة؟
قال: لقد حدثنا الوارث أن
رسول الله (ص) قال: (قيلوا، فإن
الشياطين لا تقيل)([741])