قال: هو يحب أن
يجني حلالا لا حراما.. إنه يوصينا دائما بذلك، ويحذرنا من أن نغش الزبائن، فيحيق
بنا ذلك العقاب الشديد الذي أخبر عنه بقوله:
(من غشنا فليس منا)([728]).. وهو
لا يسر بشيء كما يسر بنصيحتنا للزبائن.
قلت: فصاحبك أفلس، أو يوشك
أن يفلس لو استمر على هذا المنوال؟
قال: لا.. لقد بارك الله
في رزقه.. فلا تزيده الأيام إلا غنى.. إن هذا المطعم الذي تراه واحد من المطاعم
الكثيرة التي يملكها صاحب هذا المطعم.. فلا أحد يمر على هذا المطعم أو غيره من
مطاعمه إلا ألفه، وأحبه، بل ونصب نفسه مشهرا مجانيا له..
إن الله تعالى يعوض الناصح
من فضله ما لا يدركه الغاش.. هكذا علمنا نبينا.
قلت: فما حدثكم الوارث عن
أسرار الإسراف؟
قال: لقد حضرت درسا من
دروسه ذكر فيه قوله (ص): (ما ملأ ابن آدم
وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً: فثلث
لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)([729]) وكان
ما قاله مما لا أزال أذكره: (يشكل الجزء العلوي من المعدة جيبا ممتلئا بالهواء يقع
تحت الحجاب الحاجز، وكلما كان ممتلئاً بالهواء كانت حركة الحجاب الحاجز فوقه سهلة،
وكان التنفس ميسوراً، فإذا امتلأ هذا الجيب بالطعام والشراب تعرقلت حركة الحجاب
الحاجز، وكان التنفس صعباً كما أن الصلب لا يستقيم تماماً إلا إذا كانت حركة
المعدة مستريحة، ولا يتم ذلك إذا اتخمت بالطعام)
قلت: بورك فيك.. فما الذي
تريد أن تحضره لنا من طعام؟
قال: ذلك من شأنك لا من
شأني.. فقد خلق الله لكل شخص تذوقه الخاص به.
قلت: ألم يسن لكم نبيكم ذوقا
خاصا؟
قال: نبينا بين لنا ما
يضرنا وما ينفعنا.. ثم ترك بعد ذلك كل شخص وما يشتهي، فالتشريع لا يدخل هذا الباب.
قلت: فما كان يشتهي نبيكم؟
قال: لم يكن نبيكم (ص) يردُّ موجوداً.. ولم يكن يتكلف مفقوداً.. وما
قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير
تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ،