قال النادل: اعذرني.. لقد
جئت إلى المطعم لتأكل طعاما لا كلاما.. فاطلب ما تريد.. واعفني من الخبائث.. وشأنك
بما تشاء من الطيبات.
قال الرجل: لم أستفد في
حياتي من مطعم كما استفدت من هذا المطعم.. فبورك فيك.. وأحضر لي ـ على ذوقك ـ ما
تشاء.
أسرع النادل، وأحضر له بعض
الطعام، فرأيته الرجل يلتهمه بشهية عجيبة.
انتبه النادل لي، فحضر،
وحياني بأدب معتذرا عن تأخره، فقلت: لا بأس عليك.. لقد استفدت كثيرا مما كنت
تقوله.. فبورك فيك.. واطمئن.. فلن أطلب منك إلا الطيبات.. فأنا شديد الشهية لها..
ولا أحسب أن ما قدمته لذلك الرجل يكفيني.
قال النادل: إن ما قدمته
له محسوب بدقة.. ولا أرى إلا أنه يكفيك.. لقد نهانا الله تعالى عن الإسراف، وأمرنا
بالاقتصاد، فقال:﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ﴾ (لأعراف: 31)
وأخبر تعالى أن الوقوف عند
التلذذ بالطعام والشراب والتمتع بهما إنما هو من صفات الكافرين الجاحدين، فقال:﴿ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ
مَثْوًى لَّهُمْ﴾ (الأحقاف:20)
ولهذا اعتبر (ص) السمنة انحرافا، فقال: (إن خيركم قرني، ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يكون من بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا
يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن)
واعتبر (ص) من الإسراف أن يأكل الإنسان كلما اشتهى، فقال: (إن
من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت)([726])
وتجشأ بعضهم عند رسول الله
(ص) فقال له: (أقصر عنا من
جشائك، إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا)([727])
قلت: ألا ترى أنك تضر صاحب
المطعم بتصرفك.. إن صاحب المطعم يحب أن يجنبي أرباحا.. وأنت تقف في طريقه.