قلت: أليس هذا هو
الركن الأول من أركان العبودية اللذين ذكرتهما لي؟
قال: أجل.. فلا يمكن
للعبودية أن تتحقق لمن لم يستسلم استسلاما مطلقا لله، فراح لا يختار في عبودية ربه
إلا ما اختار الله له.. لقد أمر الله تعالى نبيه (ص) أن
يعزم على هذا، ويمارسه في حياته جميعا، فقال:﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام:162)
وقد ضرب له المثل بإبراهيم
الذي جعله خضوعه المطلق
لله يقدم ولده قربانا لله لما تطلبت منه عبودية الله أن يفعل ذلك، لقد ذكر الله
تعالى ذلك، وصوره في أحسن تعبير، فقال:﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي
سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا
أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا
إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)﴾ (الصافات)
وهكذا جميع أهل الله من
الملائكة والأنبياء والمقربين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فإنهم لم يمارسوا في
حياتهم جميعا إلا ما يقتضيه الخضوع المطلق لله:
انظر.. هؤلاء المقربون
الموصوفون في هذه الآيات كلهم وصفوا بالعبودية المطلقة لله، فهم لا يستكبرون عنها
ولا يأنفون ولا يتعاظمون ولا يستحسرون([339])
فيعيون وينقطعون.
ولهذا، فإن أعظم شرف يناله
المؤمن ويستحق به تقريب الله هو أن تصح نسبته إلى العبودية لله..