قال: لقد قال تعالى:﴿
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ (الذريات: 50)، والفرار
يمتنع معه القرار.
قلت: إن نفسي تطالبني أن
أصير محمدا.. لكأني بها لا تعلم من هو محمد.
قال: لا يمكن للمحب أن
يكتمل حبه حتى يتحول إلى حبيبه الذي أحبه.
قلت: لكأني بك تردد قولها.
قال: لقد صدقتك نفسك.. وهي
لم تقل إلا الحقيقة.
قلت: أهذا خاص بمحمد، أم
عام لكل محبوب؟
قال: بل هو عام لكل
محبوب.. فلا يمكن أن تبقى في المحب بقية لغير محبوبه([1]).
قلت: فإن بقيت؟
قال: كان ذلك علامة عدم
اكتمال الإخلاص في المحبة.. المحبة تقتضي الذوبان في المحبوب، والفناء عن الذات
استغراقا في ذات المحبوب.. ألم تسمع حديث الذي قال لرسول الله (ص): يارسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من
نفسي، فقال له النبي (ص): (لا، والذي نفسي
بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك)([2])
قلت: بلى.. ولكن لم كان الأمر
كذلك؟
قال: لاشك أنك تعلم أن
الإنسان عبارة عن مجموعة أركان.. هو مثل أي بنيان.. فهو مكون من جسد ونفس وعقل
وروح وسر.. ولطائف كثيرة يكتشفها كلما ترقى في سلوكه وترفعه وسموه.. وقد لا يفطن
لها، ولكنها مع ذلك موجودة فيه.
قلت: أعلم هذا.. وقد تحدث
علماء النفس المسلمين عن البراهين الدالة على وجود هذه اللطائف والقوى واللبنات
التي يتكون منها الإنسان.
قال: لقد جعل الله لهذه
اللطائف مراتب مختلفة في التحقق والتخلق..
[1] تحدث علماء المسلمين
على ما يسمى بتوحيد الحب، والمحبوب.. فذكروا أن من شروط صدق الحب أن يتوحد الحب
والمحبوب، فتوحيد المحبوب أن لا يتعدد محبوبه، وتوحيد الحب أن لا يبقى في قلبه
بقية حب حتى يبذلها لمحبوبه.
وقد استوحينا هذا المعنى في هذا الحوار الذي أردنا من
خلاله تبيان الأصول التي يقوم عليها الاستنان بسنة رسول الله (ص).. فالسنة ليست مجرد
حركات مقلدين، وإنما هي حركات محبين فانين في حبهم عن أنفسهم.