ليس في نيَّتي أن أحدِّثكم كيف عملت بين هؤلاء
الناس، ولا ما هي التضحيات الَّتي قدَّمتها، ولا المصاعب الجمَّة الَّتي مررت بها،
فقد واصلت العمل ببساطةٍ من أجل هدفٍ واحدٍ، وهو أن أخدم هذه الطبقات ماديّاً
ومعنويّاً.
وأخيراً بدأت بدراسة حياة النبيِّ محمَّد (ص) كنت أعرف القليل عمَّا فعله، ولكنِّي كنت أعرف
وأشعر بأنَّ المسيحيِّين ـ وبصوتٍ واحدٍ ـ أدانوا مجد النبيِّ العربيِّ (ص) وأردت حينها أن أنظر في المسألة دون تعصُّبٍ وحقد،
وبعد القليل من الوقت وجدت أنَّه من غير الممكن وجود شكٍّ في جديَّة بحثه (ص) عن الحقِّ وعن الله تعالى.
فأدركت بأنَّه من الخطأ ـ في نهاية الأمر ـ إدانة
هذا الرجل المقدَّس بعد قراءتي عن الإنجازات الَّتي حقَّقها للبشريَّة.
فالنَّاس الَّذين كانوا في الجاهليَّة يعبدون
الأصنام، ويعيشون على الجريمة، وفي القذارة والعُري، علَّمهم (ص) كيف يلبسون، واستُبدلت القذارة بالطهارة، واكتسبوا
كرامةً شخصيّةً واحتراماً ذاتيّاً، وأصبح كرم الضِّيافة واجباً دينيّاً، وحُطِّمت
أصنامهم، وبدأوا يعبدون الله تعالى الإله الحق، وأصبحت الأمَّة الإسلاميَّة هي
المجتمع الشَّامل القويُّ والأكثر منعةً في العالم. وأُنجزت الكثير من الأعمال
الخيِّرة والَّتي هي من الكثرة بحيث لا يمكننا ذكرها هنا([25])، فكم
من المحزن -أمام كلِّ هذا، وأمام صفاء عقله (ص) حين
نفكِّر كيف استطاع المسيحيُّون أن يحطُّوا من شخصه الكريم، واستحوذني تفكيرٌ عميق.
وخلال لحظات تأمُّلاتي زارني سيِّدٌ هنديٌّ اسمه
(معن أمير الدِّين)، وكان من الغريب حقّاً