فتحت دفتر الغريب على فصله العاشر، فوجدت عنوانه
(الأعداء)، فقلت: ألا ترى من التناقض أن يوضع هذا العنوان في كتاب يبحث في القلوب
التي تعلقت بمحمد (ص) ؟
قال: لا.. ليس ذلك من التناقض.. فأكمل الناس من
أجبر أعداءه على احترامه، ومحبته.. وقد كان محمد (ص) أكمل
من فعل ذلك.
قلت: لقد نطق القرآن بمثل هذا، فالله تعالى يقول:﴿ وَلا
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
(فصلت:34)
قال: وقد كانت حياة رسول الله (ص) نموذجا كاملا لهذا الخلق الرفيع.. فقد كان له صدر
واسع يحول الأعداء أصدقاء.. والحاقدين محبين.. والهاجين مادحين.
قلت: صدقت.. وقد ذكرتني بما رويته لي في رحلتك التي
تعرفت فيها على معجزات النبي (ص)
الحسية من تحول المعادين إلى محبين مخلصين([630]).
قال: وأولهم أبو سفيان بن الحارث أخو
النبي (ص) من الرضاع، فقد كان يألف
النبي (ص) أيام الصبا وكان له
تربًا، فلما بُعث النبي (ص) عاداه أبو سفيان
عداوةً لم يعادها أحدًا قط، وهجا رسول الله (ص) وهجا
أصحابه، ثم شاء الله أن يكفي رسوله (ص) لسان
أبي سفيان وهجاءه، لا بإهلاكه، وإنما بهدايته.
وحدث أبو سفيان عن نفسه، فقال: ثم إن الله ألقى في قلبي الإسلام،
فسرت وزوجي
[630] انظر: رسالة
(معجزات حسية)، فصل (حماية) من هذه السلسلة.