قال: ولكنه يملأ النفوس
بالكدورات.. إن الفن مدرسة.. والنفوس تتلقى منها.. وهي في تلقيها تنشغل عن الوقائع
بالمفاهيم والقيم.. ولذلك تمتلئ بقيم الإجرام إذا أدمنت مشاهد الإجرام.
قلت: وشعر المديح الذي
اشتهر في الإسلام.
قال: إن الشاعر في مدائحه يحاول
ان يرسم صورة مثالية رائعة لما يجب أن يكون عليه الممدوح، إن فضيلة الكرم اذا وضحت
في الأذهان، واتخذت أغنية أو قصيدة تترنم بها المحافل، وارتبطت بشخصية من
الشخصيات، فإن إشاعة مثل هذه الفضيلة يؤدي الى ترسمها والنسج على منوالها، فتسود
فضيلة الكرم فعلاً.. والتغني بالعدالة والحرية والنبل، وربط الممدوح بها، يلفت
النظر إليها ويجعلها بالممارسة والحديث الطويل عنها حقيقة كائنة.
لقد مدح المتنبي بقصائده
الكثير من الأمراء.. وامتلأ شعره حكمة بسبب ذلك، ولكنا نرى العامة يرددون شعره من
غير أن يعرفوا أميرا من الأمراء.. فقد انشغلوا بالغاية عن الواسطة.
قلت: ولكن القرآن ذم
الشعر.. ففيه:﴿وَالشُّعَرَاءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ (الشعراء:224)
قال: القرآن لم ينه عن
الشعر.. بل وجهه نحو الوجهة النبيلة، ولهذا، فقد جاء بعد تلك الآية السابقة تعليل
سر ذلك، واستثناء الذين آمنوا:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ
فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ
(226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ
كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)﴾ (الشعراء)