قال: أجل.. وقد كان دافعي ما ذكرتم من أن كل
الأنبياء بشروا بالملكوت.. وقد رأيت صفتيا يقول في سفره: (يقول الرب: أيها الناس
ترجوا اليوم الذي أقوم فيه للشهادة، فقد حان أن أظهر حكمي بحشر الأمم كلها وجميع
الملوك، لأصب عليهم رجزي، وأليم سخطي، فستحترق الأرض كلها احتراقاً بسخطي ونكيري.
هناك أجدد للأمم اللغة المختارة، ليذوقوا اسم الرب جميعاً، ويعبدوه في ربقة واحدة
معاً ويأتون بالذبائح في تلك الأيام من معابر أنهار كوش)
وقد رأيت علي الطبري الذي تحول إلى الإسلام يسوق
هذه البشارة، ويعلق عليها بقوله: (وهذا صفنيا قد نطق بالوحي وأخبر عن الله بمثل ما
أدى أصحابه، ووصف الأمة التي تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتجتمع على
عبادته، وتأتيه بالذبائح من سواحل السودان ومعابر الأنهار واللغة المختارة هي
اللسان العربي المبين.. وهي التي قد شاعت في الأمم فنطقوا بها)
التفتوا إلى حزقيال، وقالوا: لم يبق إلا أنت يا
حزقيال.. فهل وجدت شيئا من البشارات؟
قال: لقد رأيت في سفر حزقيال، وفي الفصل التاسع منه:
(إن أمّك مغروسة على الماء بدمك، فهي كالكرمة التي أخرجت ثمارها وأغصانها من مياه
كثيرة، وتفرعت منها أغصان كالعصى قوية مشرفة على أغصان الأكابر والسادات، وارتفعت
وبسقت أفنانهن على غيرهن، وحسنت أقدارهن بارتفاعهن والتفاف سعفهن، فلم تلبث الكرمة
أن قلعت بالسخط، ورمى بها على الأرض، وأحرقت السمائم ثمارها، وتفرق قواها، ويبس
عصي عزها، وأتت عليها النار فأكلتها، فعند ذلك غرس في البدو وفي الأرض المهملة
العطشى، وخرجت من أغصانه الفاضلة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصا قوية
بعدها ولا قضيب ينهض بأمر السلطان)