لا
أكتمك أني أحب المسيح.. ولكني لم أكن أشعر حوله بما يقتضيه الإيمان المسيحي.. لقد
كان في عقلي من التمرد ما يجعلني في معاناة مستمرة.
كنت أشعر أن الألوهية وما تقتضيه من صفات، وما
تفعله من أفعال أعظم من أن تختصر فيما نعتقده نحن من إيمان.. كنت أنظر إلى الكون
وامتداده، فأراه أوسع من التصورات التي نحملها عنه، وعن الإله الذي يمسك به.
لكني لم أكن أجسر على التصريح بهذا، بل لم أكن أجسر
على التفكير به، وكنت أتعذب بذلك الضعف الذي يجعل روحي تتشتت شتاتا خطيرا..
فالمنطق الذي زعمت صلته بالإيمان كان منقطعا في نفسي انقطاعا لا يطمع معه في أي
وصال.
ذات يوم جاءني أخي مستبشرا، وهو يقول: إن البابا..
بابا الفاتيكان سيزور قريتنا.. وسنتشرف برؤياه، ولعلنا ننال من بركاته ما ننعم به
إلى آخر الدهر.
في تلك الأيام كانت قريتنا مزدانة بكل أنواع
الزينة، بل كان الناس من القرى المجاورة، والمدن المجاورة، والدول المجاورة يحجزون
غرفا لهم في قريتنا، مما نشط اقتصادها، وملأها بالحيوية والنشاط.
في ذلك اليوم الموعود الذي ازدانت له السماء
والأرض، دخل البابا قريتنا يتلك الهالة التي تحيط به من الوقار..
كان موكبا فخما اهتزت له القلوب.. وقد كانت
التراتيل التي تتردد تملأ القلوب بأشواق عظيمة.. وكنت أرى الرجال الكبار الذي
يملأون النفس مهابة صغارا بين يدي البابا، يتزاحمون على رؤيته، والمحظوظ منهم من
نال من بركاته.