ولنبدأ بأول من تحدث عن هذا الخاتم الذي أشار إليه
إشعيا.
إنه راهب من بني قومك آثر العزلة في طريق التجار
لينتظر النبي المنتظر.. وقد عرفه من ختم النبوة الذي وصفه إشعيا.. ووصفته الأسفار
التي محاها قومك.. اسمع حديثه.. وليكن لك به قدوة:
لما بلغ محمد (ص) اثنتى
عشرة سنة ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرَى ـ وهي معدودة
من الشام، وقَصَبَة لحُورَان، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت
تحت حكم الرومان ـ وكان في هذا البلد راهب عرف بَبحِيرَى، واسمه ـ فيما يقال ـ
جرجيس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى
جاء فأخذ بيد رسول الله (ص)، وقال: (هذا سيد
العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين)، فقال له أبو
طالب وأشياخ قريش: (وما علمك بذلك؟ فقال: (إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق
حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من
غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا)، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا
طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع
بعض غلمانه إلى مكة([53]).
وثانيهم رجل كتب الله له أن يكون باحثا عن الدين
الحق.. وقد نقل لنا من الشهادات الكثيرة ما يبين الجو الديني الذي كان في ذلك
العصر، والذي كان في لهفة لانتظار النبي المنتظر.
[53]
رواه الترمذي،وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه البيهقي
في كتاب دلائل النبوة من حديث العباس بن محمد عن قراد بن نوح،وقال العباس لم يحدث
به يعني بهذا الإسناد غير قراد وسمعه يحيى وأحمد من قراد قال البيهقي أراد أنه لم
يحدث بهذا الإسناد سوى هؤلاء فأما القصة فهي عند أهل المغازي مشهورة.