ثم رفع إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي
ما يعرض من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوق فيقبض منها، وإذا هي
شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من
عسل مصفى، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، وإذا نبقها مثل قلال هجر،
وإذا ورقها كآذان الفيلة، تكاد الورقة تغطي هذه الأمة، تغشاها ألوان لا يدري ما
هي، فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت، فما يستطيع أحد أن ينعتها من
حسنها([859]).
ثم أخذ على الكوثر حتى إذا دخل الجنة
فإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فرأى على بابها
مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر.
فقال: يا جبريل ما بال القرض أفضل من
الصدقة؟ قال: لان السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يسأل إلا من حاجة.
ورأى الجنة من درة بيضاء وإذا فيها جنابذ
اللؤلؤ، فقال: يا جبريل، إنهم يسألوني عن الجنة، فقال: أخبرهم أنها قيعان ترابها
المسك.
وبينا هو يسير بنهر على حافيته الدر
المجوف، وإذا طينة مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هو الكوثر.
ثم عرضت عليه النار، فإذا فيها غضب الله
وزجره ونقمته، ولو طرح فيها الحجارة والحديد لاكلتها، فإذا بقوم يأكلون الجيف،
فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس.
ورأى رجلا أحمر أزرق فقال: من هذا يا
جبريل؟ قال: هذا عاقر الناقة.
[858] وفي حديث عند
الطبراني بسند صحيح:« مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى فإذا جبريل كالحلس
البالي من خشية الله »، وفي رواية عند البزار:« كأنه حلس لاطئ »، والحلس هو الكساء
الذي بلي ظهر البعير تحت القتب، شبهها به للزومها ودوامها.
[859] وفي رواية:
فإذا في أصلها عين تجري يقال لها السلسبيل، ينشق منها نهران: أحدهما الكوثر، يطرد
عجاحا مثل السهم، عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعليه طيور خضر أنعم طير،
رأى فيه آنية الذهب والفضة، تجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من
اللبن، فأخذ من آنية، فاغترف من ذلك الماء، فشرب فإذا هو أحلى من العسل، وأشد ريحا
من المسك، فقاله جبريل: هذا هو النهر الذي حباك به ربك، والنهر الاخر نهر الرحمة
فاغتسل فيه، فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وفي حديث عبد الله بن مسعود : أنه r رأى جبريل عند
السدرة له ستمائة جناح، جناح منها قد سد الافق، تتناثر من أجنحته التهاويل: الدر
والياقوت مما لا يعلمه إلا الله تعالى.