ورأى مالك خازن
النار، فإذا رجل عابس يعرف الغضب في وجهه، فبدأ النبي (ص) بالسلام، ثم أغلقت دونه، ثم رفع
إلى سدرة المنتهى، فغشيها من أنوار الخلائق ومن أنوار الملائكة أمثال الغربان حين
يقض على الشجرة وينزل على كل ورقة ملك من الملائكة فغشيها سحابة من كل لون.
ثم عرج به حتى ظهر لمستوى سمع فيه صريف
الأقلام([860]).
ورأى رجلا مغببا في نور العرش، فقال: من
هذا؟ ملك، قيل: لا، قال: نبي، قيل: لا، قال: من هو؟ قيل: هذا رجل كان في الدنيا
لسانه رطب من ذكر الله، وقلبه معلق بالمساجد، ولم ينتسب لوالديه قط.
ثم نزل رسول الله (ص) إلى الأرض، فلما
أصبح أخبر الناس بما رآه فصدقه كل من آمن به ايمانا قويا، وكذبه الكفار واستوصفوه
مسجد بيت المقدس، فوصفه لهم وسألوه عن أشياء في المسجد فمثل بين يديه، فجعل ينظر
إليه ويصفه ويعد أبوابه لهم بابا بابا فيطابق ما عندهم، وسألوه عن عير لهم فأخبرهم
بها وبوقت قدومها فكان كما أخبر.
هنا قام بولس، وقال: أليس عجيبا ما تخبر
به من هذه الرحلة العجيبة.. إن العقل السليم لا يكاد يصدق ما تقول.
التفت إليه عبد القادر، وقال: أي عقل تقصد؟ هل
عقل علماء الدنيا، أم عقل علماء بالدين؟
بولس: العقل عقل واحد.. سواء كان لأهل
الدين، أم لأهل الدنيا، وكلاهما يشتركان في إنكار ما تقول.
عبد القادر: نعم العقل عقل واحد،
ولكني أرى أن عقل أهل الدين يتسع لما لا يتسع له عقل أهل الدنيا.
فأهل الدين يعرفون أن قدرة الله التي لا
يحدها شيء لا يمتنع عليها ما حصل لرسول الله (ص) من خوارق، فلا يعجز خالق السموات أن
يرفع إليها من يشاء، أو يخفض من يشاء.
بولس: ولكن العادة الكونية جرت
باستحالة ذلك.
[860] أسمع صريف
الاقلام: أي صوت جريانها بما تكتبه من أقضية الله تعالى ووحيه، وما ينسخونه من
اللوح المحفوظ..