فسار حتى أتى الوادي
الذي في المدينة يعني بيت المقدس، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي، فقيل: يا رسول
الله كيف وجدتها؟ قال: (مثل الحمم)
ثم سار حتى انتهى إلى المدينة، فدخلها من
بابها اليماني، وإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان، فقال: يا جبريل ما
هذان النوران؟ قال: أما الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود، وأما الذي عن يسارك
فعلى قبر أختك مريم.
فدخل المسجد، فأتى جبريل الصخرة التي
ببيت المقدس، فوضع أصبعه فيها فخرقها، فشد بها البراق([853]).
فلما استوى بها النبي (ص) في صخرة المسجد، قال
جبريل: يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال: نعم، قال جبريل: فأنطلق إلى
أولئك النسوة فسلم عليهن، وهن جلوس عن يسار الصخرة، فانتهى إليهن، فسلم عليهن،
فرددن عليه السلام، فقال: من أنتن؟ فقلن: (خيرات حسان نساء قوم أبرار، نقوا فلم
يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا)
ثم صلى هو وجبريل كل واحد ركعتين فلم
يلبث إلا يسيرا حنى اجتمع ناس كثيرون، فعرف النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم
أذن مؤذن وأقيمت الصلاة، فقاموا ينتظرون من يؤمهم، فأخذ جبريل بيده فقدمه فصلى بهم
ركعتين([854]).
[853] وفي رواية
مسلم: فربطه بالحلقة التي تربط بها الأنبياء.
[854] وفي رواية: ثم
أقيمت الصلاة، فتدافعوا حتى قدموا محمدا، وعند الواسطي عن كعب: فأذن جبريل ونزلت
الملائكة من السماء وحشر الله له المرسلين، فصلى النبي بالملائكة
والمرسلين، فلما انصرف، قال جبريل: يا محمد، أتدري من صلى خلفك؟ قال: لا، قال: كل
نبي بعثه الله تعالى.
وفي حديث أبي هريرة عند الحاكم
وصححه البيهقي: فلقي أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم.
فقال إبراهيم:« الحمد لله الذي
اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما وجعلني أمة قانتا يؤتم بي، وأنقذني من النار،
وجعلها علي بردا وسلاما، ثم إن موسى أثنى على ربه تبارك وتعالى فقال:« الحمد لله
الذي كلمني تكليما وجعل هلاك فرعون ونجاة بني اسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قوما
يهدون بالحق وبه يعدلون »
ثم إن داود أثنى على ربه فقال:«
الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما، وعلمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي
الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب »
ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال:«
الحمد لله الذي سخر لي الرياح وسخر لي الشياطين والإنس يعملون لي ما شئت من محاريب
وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات، وعلمني منطق الطير وأتاني من كل شئ فضلا،
وسخر لي جنود الشياطين والإنس والجن والطير، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين،
وأتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي وجعل ملكي مكلا طيبا ليس فيه حساب ولا
عقاب »
ثم إن عيسى بن مريم أثنى على ربه
تبارك وتعال فقال:« الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب،
ثم قال له: كن فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة، والتوراة والإنجيل، وجعلني أبرئ
الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله، ورفعني وطهرني. وأعاذني وأمي من الشيطان
الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل »
فقال النبي r:« كلكم أثنى
على ربه وإني مثن على ربي »، فقال:« الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة
للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شئ، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس،
وجعل أمتي وسطا، وجعل أمتي هم الأولون والآخرون، وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع
لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما»
فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم:«
بهذا فضلكم محمد »
ثم تذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم
إلى إبراهيم فقال:« لا علم لي بها »
فردوا أمرهم إلى موسى فقال:« لا علم
لي بها »
فردوا أمرهم إلى عيسى فقال:« أما
وجبتها فلا يعلمها إلا الله، وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج، ومعي قضيبان، فإذا
رآني ذاب كما يذوب الرصاص، فيهلكم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم فعند
ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون فيطأون بلادهم لا يأتون على شئ إلا
أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه، ثم يرجع الناس فيشكونهم إلي، فأدعو الله
تعالى عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تحوي الأرض من ريحهم، فينزل الله تعالى المطر،
فيجرف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك فإن
الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادتها ليلا أو نهارا »