ابتسم عبد القادر، وقال: لا.. لست متناقضا،
وليس في الحقائق الأزلية أي تناقض.
لقد ذكر هذا الرجل الفاضل الأصل والقاعدة
العامة التي ينبني على أساسها التكليف، فالتكليف مبني على الجزاء.. والجزاء لا
يكون إلا على العمل.
بولس: ولكن هذا يتناقض مع الشفاعة
التي تعني الجزاء الخالي من العمل.
عبد القادر: هذا ما يفهمه العامة
الذين لم يدققوا في النصوص، وهؤلاء هم الذين ينبغي أن يخاطبوا بما أورد ذلك الرجل
الفاضل من النصوص.
أما الشفاعة في حد ذاتها فهي نوع من
الجزاء على أنواع دقيقة من العمل.
سأضرب لكم مثالا يقرب هذا.
لو أن شخصا من الناس كان يحب وجيها من
الوجهاء حبا جما، ويخلص في حبه والمنافحة له ما قدر عليه قلبه من الإخلاص، ثم وقع
في بعض الإساءات التي لم ترتبط بمصالح الناس، فهل ترون ذلك الوجيه يقعد عن نصرته
أو الشفاعة له؟
قالوا: لا..
عبد القادر: فهكذا الأمر..
فالشفاعة في حقيقتها التي تدل عليها النصوص هي جزاء كسائر أنواع الجزاء التي
ينالها الخلق في الآخرة لأعمال عملوها أو صفات اتصفوا بها، وليست كما يتوهم من
أنها وساطة ينجو على أساسها قوم في الوقت الذي يحرم منها غيرهم مع تساوي
الاستحقاق، لأن ذلك لا يتناسب مع العدل المطلق الذي بنيت عليه قوانين الآخرة([832]).
ونرى بناء على هذا، وبناء على أدلة كثيرة
لا يمكن ذكرها هنا أن الشفاعة خاصة بالمقصرين من محبي رسول الله (ص) الذين قعدت بهم
أعمالهم عن النجاة، فرفعتهم محبتهم إلى محل الشفاعة.
ولهذا ورد في الحديث: قيل: يا رسول الله
من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال رسول الله (ص): (أسعد النّاس بشفاعتي يوم
القيامة من قال: لا إله إلاّ الله خالصًا من قلبه أو نفسه)([833])
وهذا النوع من الشفاعة ليس خاصا برسول
الله (ص)، بل قد ورد في
النصوص ما
[832] انظر الأدلة
الكثيرة لهذا الرأي في رسالة (أسرار الأقدار) من هذه السلسلة.