كما يتصور اليهود أن
الله تعالى لابد أن يختار رسولا من بني إسرائيل، وكأن بني إسرائيل وحدهم خلق الله،
وغيرهم خلق الشيطان.
لقد رد الله على هذا الاحتقار، فقال:﴿
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ﴾ (الزخرف:32)([819])
وقد قوبل بهذا النوع من الاحتقار جميع
الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بما فيهم المسيح نفسه، وأخونا القس الفاضل يقر بما لا
نقر به نحن المسلمين من الإهانة الشديدة التي وجهها اليهود للمسيح حين صلبوه،
ووضعوا تاج الشوك على رأسه.
انطلاقا من هذا، فإن الله الشكور المتفضل
على عباده يكرم هؤلاء الأنبياء بمزيد فضله، ليقابل به ما قابلهم به أقوامهم من
الاحتقار.
بالإضافة إلى أن هؤلاء الأنبياء نجحوا في
أنواع البلاء التي ابتلوا بها، لذلك كان جزاؤهم أن ينالوا تكريمات الله، كما قال
تعالى عن إبراهيم :﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:124)
ولذلك، نحن المسلمين لا نخالف القس في
كون الله كرم المسيح تكريما عظيما، ولكنا نخالفه في قصر ذلك على المسيح، وفي سوء فهم
المراد بذلك التكريم.
قام أجير بولس ببلاهته، وقال: لا.. ذلك التكريم خاص
بالمسيح.. وذلك التكريم لا يعني إلا بنوة المسيح لله.
ابتسم عبد القادر، وقال: أرأيت لو أدخلتك
داري، وكلت لك من أنواع الثناء، ومثلها من أنواع الفضل ما كلت لك.. أتراك تخرج
للناس، لتزعم لهم أنك ابن لمن كال لك ذلك الثناء، وأن تلك الدار التي آوتك هي دارك
وملكك، وأنت صاحبها.
سكت الأجير، فقال بولس: يحدث هذا كثيرا..
بعض الناس يسيئون فهم التكريمات.. فيتصورونها بخلاف مقصودها.
ونحن المسلمين بحمد الله وقينا هذا، فمع
ما ورد في فضل نبينا من نصوص إلا أنا نهينا أن نخرج به عن كونه عبدا لله، بل نحن
لا نرى لنبينا مقاما أرفع من مقام عبوديته لله.