قال ذلك، ثم أجاب
نفسه بنفسه: والإجابة؛ كلا وحاشا!!
لست أدري كيف اقتصر بولس على هذا فقط، مع
أنه كان يمكن أن يقول كلاما كثيرا تعود قومنا أن يقولوه في مثل هذه المحافل.
جلس، فقام أجيره ببلاهته المعهودة، وكأنه
يستفز المسلمين، وقال: هذا هو المسيح.. وهذه هي منزلته كما ذكرها لنا حضرة القس
الفاضل.. وفي ذلك رد عظيم على أولئك المسلمين البسطاء الذي يتصورون أن نبيهم نال
من التكريمات ما لم ينله أحد.
لم أكن أتصور أن عبد الحكيم أو عبد
القادر في القاعة، فقد كانت قاعة مغلقة، وكان المدعوون فيها محدودين، ولكن تصوري
كان خاطئا، وقد فرحت لخطئه، ولا أظن صاحبي بولس إلا مثلي في ذلك، فقد ظهرت علامات
السرور على وجهه عندما لاحظ عبد الحكيم، وهو يقوم قائلا: إن أذنتم لي، فإن لي بعض
التعقيببات على ما ذكره هذا القس الفاضل، وعلى ما ذكره بعده هذا الرجل الكريم.
سكت الجمع، وقال رئيس الجلسة: لا بأس..
يسرنا أن نسمع لك، ولا أظن حضرة القس إلا مسرورا بذلك.
أجاب القس بالإيجاب، فتقدم عبد الحكيم،
وقال: قبل أن أتحدث بما قد تسيئون فهمه، أحب أن أذكر لكم أن الله تعالى الذي خلق
هذا الكون الواسع بمنتهى العدل والرحمة والحكمة ميز بعض خلقه بميزات خاصة، تجعلهم
يستحقون رئاسة معينة على سائر البشر، فهم من جسم البشر كالدماغ والقلب بالنسبة
لجسم الإنسان.
لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال:﴿
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القصص:68)
وهؤلاء المختارون لهم من الأسباب العادلة
ما تفضل الله به عليهم بذلك الاختيار، فهم في طيبتهم وسلامة نفوسهم وصفاء جواهرهم
ما جعلهم أهلا لحلول ذلك الفضل الإلهي، فهم مثل التربة الطيببة عندما تسقى بالماء
الزلال، فتنتج من كل خير، وتنبت من كل طيب.
لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقالك:﴿ وَإِذَا
جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ
رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ (الأنعام: 124)
لقد قال الله ذلك لمن أنكروا أن يتفضل
الله على محمد (ص) كما تفضل على إخوانه من المرسلين.
لقد كان هؤلاء الكفار ينظرون باحتقار إلى
رسول الله a، لأنهم كانوا يتصورون أن الرسول عندما يختاره الله سيختاره من تلك
الفئة المستكبرة الغنية الوجيهة، كما قال تعالى:﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا
الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف:31)، أو