وقد كان هذا النوع الأخير هو
النوع الذي تنزل به القرآن الكريم، وقد كان أثقل الوحي على رسول الله (ص)، وإنما كان كذلك لأنه انسلاخ
من البشرية واتصال بالروحانية.
أما الثانية فأخفها؛ لأنها انتقال ملك الوحى من الروحانية إلى
البشرية بسهولة ويسر، بإذن من الله تعالى.
وقد وصف المعايشون لرسول الله (ص) كيف كان يأيته هذا النوع من الوحي، وهو بحد ذاته دليل على أنه حقيقة
ملموسة لا علاقة لها بأي مرض كما يشيع المرجفون.
قال زيد بن ثابت : أنزل على رسول الله (ص) وفخذه على فخذي، فكادت فخذه
ترض فخذي([783]).
وقال أبو أروى الدوسى : رأيت الوحي ينزل على رسول الله (ص)، وإنه على راحلته، فترغو
وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنقصم، فربما بركت وربما قامت موتدة يديها حتى يسرى
عنه عن ثقل الوحي، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان([784]).
وقالت أسماء بنت يزيد : كنت آخذة بزمام ناقة رسول الله (ص) حين أنزلت عليه سورة المائدة
فكاد ينكسر عضدها من ثقل السورة ([785]).
وكان يعلى بن أمية يقول: ليتني أرى رسول الله (ص) حين ينزل عليه الوحي، فلما
كان النبي (ص)
بالجعرانة وعليه ثوب قد أضل عليه، ومعه ناس من أصحابه، إذ جاءه رحل متضمخ بطيب،
فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب فنظر رسول الله (ص)، ثم سكت، فجاءه الوحي، فإذا
هو محمر الوجه يغط، ما يغط البكر، كذلك ساعة ثم سري عنه.. الحديث([786]).