وفي حديث آخر أن النبي (ص) أمر عليًا يوم
الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير
الباب ويرصدونه، ويريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها، فخرج رسول الله (ص) عليهم، فأخذ حفنة من
البطحاء، فجعل يذره على رءوسهم، وهم لا يرونه وهو يتلو قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ
فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (يّـس:9)([694]).
ومن الجنود الذين حمى الله بهم نبيه (ص) جند الإعلام.. وهم
جند ليس لهم من دور غير إخبار رسول الله (ص) بالمؤامرات التي يدبرها أعداؤه له.
لاشك أنكم تعرفون أهمية المعلومة في
المعارك، حتى أن الرؤساء والملوك، بل من هم دونهم يضعون ميزانيات ضخمة للعيون
والجواسيس ليترصدوا لهم كل تحرك توجه ضدهم.
أما محمد (ص) فلم يكن له من العيون إلا ما
يطلعه الله عليه سواء من عالم الحكمة أو من عالم القدرة.
وسأذكر لكم بعض الأمثلة عن ذلك:
لعل أولهم هو الوحي الرباني، فالقرآن
الكريم كان يتنزل ليفضح المؤامرات المختلفة، كما قال تعالى:﴿ يَحْذَرُ
الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي
قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾
(التوبة:64)
فالنفاق ذلك الخطر الخفي لا يعلمه إلا من
يعلم السر وأخفى، ولذلك أخبر القرآن الكريم عن كثير من مؤامرات المنافقين
وعلاماتهم ليتميزوا عن المخلصين الصادقين.