وقد ورد في سبب نزولها أن رجلا من
المنافقين قال: ما أرى قراؤنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عن
اللقاء، فرفع ذلك إلى رسول الله (ص)، وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يارسول
الله ؛ إنما كنا نخوض ونلعب فقال:﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ
نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا
مُجْرِمِينَ ﴾(التوبة: 65-66)
وروي أنه بينما رسول الله (ص) في غزوة تبوك وبين
يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟
هيهات هيهات له ذلك، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله (ص): (احبسوا علىَّ
الركب)، فأتاهم فقال: (قلتم كذا وكذا)، فقالوا: يارسول الله إنما كنا نخوض ونلعب،
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ومن صور الاستهزاء ماحدث في الطريق إلى
تبوك حيث ضلت ناقة الرسول (ص)، فقال زيد بن اللُّصيت ـ وكان منافقاً ـ: أليس يزعم أنه نبي،
ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله (ص): إن رجلاً يقول وذكر
مقالته، وإني والله لا أعلم إلا ماعلمني الله، وقد دلني الله عليها، هي في الوادي
في شِعْب كذا وكذا، وقد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا
فأتوه بها.
وقد ذكر القرآن الكريم بعض ما تعرض له (ص) من أنواع الأذى
النفسي في تلك الفترة، فقال:﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ
وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة:61)
ومع أن الغلبة كانت للمسلمين إلا أن الله
تعالى أمر المؤمنين بأن يقابلوا تلك الأنواع من الأذى بالتحمل والصبر والعفو، قال
تعالى:﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً
كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
(آل عمران:186)