في ذلك اليوم الذي تشرفت فيه باستضافة
الشيخ الغريب الصالح رأيت عجبا، سأحكيه لكم كما رأيته، ولا جناح عليكم أن تنكروه،
فأنا نفسي كنت أنكر الكثير مما يحكى لي من هذا الباب، إلى أن رأيته بأم عيني.
كنت قد أعددت للشيخ غرفة خاصة منذ زيارته
لي، هي أحسن غرف منزلي، وقد كانت منفصلة عن سائر الغرف، وتطل على حديقة البيت.
في منتصف تلك الليلة، انقطعت الكهرباء،
فنبهني أهلي إلى أخذ سراج ـ كنا نستعمله في هذه الحالات ـ إلى غرفة الشيخ، لعله
يحتاج إليه، فقد كانت الظلمة شديدة جدا.
ما سرت قليلا إلى الغرفة حتى رأيت عجبا..
لقد رأيت أضواء ساطعة، كأجمل ما يمكن أن تراه من أضواء دفئا وحنانا وإنارة ولطفا..
فتعجبت كل العجب من مصدرها، فلم يكن في الغرفة أي شيء يمكن اعتباره مصدرا لها، ولم
يكن لدى الشيخ أي محفظة يمكنه أن يحفظ فيها أي نوع من أنواع المصابيح.
أصابتني هيبة من ذلك كادت تقعد بي عن
زيارته وإيصال السراج له، ولكني تغلبت عليها، وقهرت مخاوفي، وسرت نحو غرفته.
أطللت من نافذة صغيرة عليه، فرأيته جالسا
على السجادة التي هيأتها له، رافعا يديه إلى السماء، والدموع تنحدر من عينيه بخشوع
وجلال، وقد غمرت تلك الأضواء الجميلة وجهه، فصار كالشمس، أو قريبا من الشمس.
لقد كان منظرا يصور الخشوع والإيمان
بأرقى درجاته.. ولا يمكن لأي آلة تصوير في الدنيا أن تصور جلال ذلك المنظر وجماله.
لست أدري كيف سقط السراج من يدي، فأحدث
بعض الجلبة، جعلت الشيخ ينتبه من ذلك الخشوع الذي ملأ كيانه، ثم يلقي ببصره إلى
النافذة ليراني.
غمرني الحياء من نظره لي، خشية أن يتهمني
بالتجسس عليه.. لكنه ناداني، فدخلت إليه، لتشملني تلك الأنوار التي شملته، والتي
لم يكن لها أي مصدر ظاهر.
قلت: ما هذا.. إن هذا
لعجب!؟
قال: ليس عند ربك عجب.. إن
ما تراه من أنوار فضل من فضل الله لا يقل عن أي فضل آخر نراه في كل لحظة، ونعيشه،
وننعم به.
قلت: ولكن تلك الأنوار
ينعم بها كل الناس.. أما هذا النور، فلا أراه الآن إلا في بيتك، وهو كرامة عظيمة
لا تقل عن الكرامات التي حكيت عن أهل الله.