وفي تقديم الإنسان على
الحيوان في هذا الموقع حكمة بالغة، وهي أنه يمكن للإنسان أن يستفيد من الإنتاج
النباتي بالقدر الذي يحتاج إليه، ثم يعطي للأنعام مالا يحتاجه وهو ما يعبر عنه
بمخلفات الإنتاج النباتي، كالتبن والنخالة التي يطرحها الإنسان ويأخذ القمح فقط،
وأيضا رديء الثمار ونوى التمر ورديء التمر وأوراق الخضروات وقشور الثمار وغيرها،
مما يساهم مساهمة كبيرة في تغذية الحيوانات.
علي: بورك فيك، وفي فهمك
للقرآن.. لقد وردت آية أخرى في القرآن الكريم تشير إلى المزج بين تغذية الإنسان
والأنعام، فقال تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ
الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ
أَفَلا يُبْصِرُونَ ﴾ (السجدة:27)
لاحظت علامات السرور على
وجه عالم النبات، وقال: ما أدق القرآن في استعمال كلماته.. فهذه الآية لما
ذكرت الزرع فقط ولم تذكر الثمار، قدمت الأنعام على الإنسان.. فتغذية الأنعام تعتمد
بالدرجة الأولى على مخلفات الزرع، والزرع ذاته، خاصة الشعير والذرة والفول والصوية
في حين أن غذاء الإنسان لا يعتمد على الزرع فقط بل على العديد من المنتوجات الأخرى
من بينها الأنعام ولحومها.
علي: وفي تقديم الأنعام في
هذا الموقع حكمة أخرى ربما لم يدركها إلا أهل عصرنا، فالأنعام نظام غذائها نباتي،
وليس حيواني أو مختلط، لكن في هذه السنين الأخيرة، اخترق الإنسان هذه السنة
الكونية وراح يطعم الأنعام طحينا حيوانيا بحجة الرفع من مستوى الانتاج، فكانت
النتيجة كارثية، فقد ظهر مرض جنون البقر وتسبب في هلاك الملايين من رؤوس الماشية،
لذلك عقب الله تعالى هذه الآية بقوله ﴿ أَفَلا يُبْصِرُونَ ﴾