والأفصح، والرشيق والأرشق، والجلى والأجلى، والعلى والأعلى من
الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق، ولا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه، وهو بمنزلة
جاريتين: إحداهما بيضاء مشربة حمرة، ودقيقة الشفتين، نقية الشعر، كحلاء العين،
أسيلة الخد، دقيقة الأنف، معتدلة القامة، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن،
لكنها أحلى في العيون والقلوب منها، وأليق وأملح، ولا يدرى لأي سبب كان ذلك، لكنه
بالذوق والمشاهدة يعرف، ولا يمكن تعليله.. وهكذا الكلام.. نعم، يبقى الفرق بين
الوصفين أن حسن الوجوه وملاحتها وتفضيل بعضها يدركه كل من له عين صحيحة، وأما
الكلام فلا يعرفه إلا بالذوق، وليس كل من اشتغل بالنحو أو باللغة أو بالفقه كان من
أهل الذوق، وممن يصلح لاتنقاد الكلام، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم
البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر، وصارت لهم بذلك دربة وملكة
تامة، فإلى أولئك ينبغى أن يرجع في معرفة الكلام وفضل بعضه على بعض )([149])
سكت قليلا، ثم قال: لقد
حاول بعض المحللين معرفة بعض سر ذلك، فذكر أن كون النظم معجزاً يتوقف على بيان نظم
الكلام، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه.
ثم ذكر ان مراتب تأليف
الكلام خمس.. تبدأ بضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الاسم
والفعل والحرف.. والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة،
وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعاً في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له
المنثور من الكلام.. والثالثة: يضم بعض ذلك إلى بعض ضماً له مباد ومقاطع ومداخل
ومخارج، ويقال له المنظوم.. والرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع،
ويقال له المسجع.. والخامسة: أن