يجعل مع ذلك وزن، ويقال له
الشعر والمنظوم، إما محاورة ويقال له الخطابة، وإما مكاتبة ويقال له الرسالة.
فأنواع الكلام لا تخرج
عن هذه الأقسام، ولكل من ذلك نظم مخصوص، والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير
نظم شيء منها يدل على ذلك، لأنه لا يصح أن يقال له رسالة أوخطابة أو شعرا أوسجعا،
كما يصح أن يقال هوكلام، والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم،
ولها ورد في القرآن:{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
}(فصلت:42) تنبيهاً على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يغير
بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخر([150]).
سكت قليلا، ثم قال: لا
شك أنك ترى القرآن مختلفا عن الشعر.. لقد ذكر القرآن ذلك، فقد جاء فيه:{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ
الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ
مُبِينٌ}(يّـس:69)
ومع أن العرب كانوا
يدركون أن القرآن ليس كالشعر إلا أنهم في خصومتهم شبهوه بالشعر.. وقد جاء في
القرآن حكاية عن كفار العرب:{ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ
بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ
الْأَوَّلُونَ}(الانبياء:5)
وصدق القرآن، فليس هذا
النسق شعراً.. ولكن العرب كذلك لم يكونوا مجانين ولا جاهلين بخصائص الشعر، يوم
قالوا عن هذا النسق العالي: إنه شعر!
لقد راع خيالهم بما فيه
من تصوير بارع، وسحر وجدانهم بما فيه من منطق ساحر، وأخذ أسماعهم