فالمؤمن يشعر بوحدة روحية عميقة مع المؤمنين في كل الأزمنة وفي
كل الأماكن.
فهو مع إبراهيم الخليل،
ومع موسى الكليم، ومع المسيح روح الله وكلمته.
ومع آدم أبي البشر، ومع
صالح.. ومع هود..
وهو مع كل النبيين
والصديقين يعيش نماذجهم وروحانيتهم ويذوب فيها.
لقد عبر سيد قطب.. وهو
ممن أوتي فهما في القرآن.. عن هذا المعنى، فقال في مقدمة ظلاله:( والمؤمن ذو نسب
عريق، ضارب في شعاب الزمان. إنه واحد من ذلك الموكب الكريم، الذي يقود خطاه ذلك
الرهط الكريم:نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ويوسف، وموسى وعيسى، ومحمد..
عليهم الصلاة والسلام { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:92)
هذا الموكب الكريم،
الممتد في شعاب الزمان من قديم، يواجه - كما يتجلى في ظلال القرآن - مواقف
متشابهة، وأزمات متشابهة، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور، وتغير
المكان، وتعدد الأقوام. يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى، والاضطهاد والبغي،
والتهديد والتشريد. ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو، مطمئن الضمير، واثقا من نصر
الله، متعلقا بالرجاء فيه، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد: )وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ
خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)(إبراهيم).. موقف واحد وتجربة واحدة. وتهديد
واحد. ويقين واحد. ووعد واحد للموكب الكريم.. وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في
نهاية المطاف. وهم يتلقون الاضطهاد والتهديد والوعيد )
ولهذا يمزج القرآن بين
الروحانية المتوجهة لله، والروحانية التي تربط بين المؤمنين في علاقاتهم