النظر، إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه، ولو كان له ساتر لكان لوجوده
حاصر، وكل حاصر لشيء فهو له قاهر: وَهُوَ الْقَاهرُ فَوْقَ عِبَادِهِ..
(الأنعام:18)
قلت: صدق
أولياء الله في ذلك.. ولكنهم هم أنفسهم يذكرون أن السير إلى الله سير القلوب لا
سير الأقدام.. لقد قال ابن عطاء الله في ذلك:(لولا
ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين، إذ لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك ولا
قطعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك)
قال: صدق ابن
عطاء الله في ذلك.. ولكن النفس الراكنة إلى الهوى المتثاقلة إلى الأرض تحتاج إلى
طي مسافات الأجسام لتصل إلى الذي لا تحجبه المسافات، ولا تحول دونه الحوائل.
لقد ذم الله
المتثاقلين إلى الأرض القاعدين عن البحث عن مولاهم، أو عن السلوك إليه، وذكر لهم
نموذجا عن ذلك، فقال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ
مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا
لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ
الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) (الأعراف)
قلت: سلمت لك
بهذا، وقد ذكرني حديثك هذا بأبيات جميلة من الشعر كنت أسمعها وأنا صبي تنشد في
حلقات الذكر، فتهزني هزا.. كان الحادي يترنم بقوله:
أخاطر في محبتكم بروحي
وأركب بحركم أما وأما
وأسلك كل فج في هواكم
وأشرب كأسكم لو كان سماً
ولا أصغى إلى من قد نهاني
ولي أذن عن العذال صما
أخاطر بالخواطر في هواكم
وأترك في رضاكم أبا وأما
سقطت دموع
حارة من عيني الشيخ الصالح عند سماعة الأبيات، فمسحها بيده برفق، ثم قال: لقد آثر
رفاقي جميعا أن يعيشوا مع أولئك الصالحين ليقضوا ما بقي لهم من عمر مع مولاهم