ازداد عجبي
منه، لكني لم أجد إلا أن أدخل، وأفتح الرسالة، كما طلب مني.. ثم قرأتها له كما
قرأتها لكم.
سار خطوات
قليلة، وأحضر الدواة والقلم، ثم سلمهما إلي، وقال: اكتب على ظهر الرسالة ما أمليه
عليك.
أمسكت بالقلم
والدواة، فراح يملي علي قوله([357]):
(اعلم أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، وطبع كل شيء ما خلق له؛
فلذة العين في الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح
بهذه الصفة. ولذة القلب خاصة بمعرفة الجوارح بهذه الصفة. ولذة القلب خاصة بمعرفة
الله سبحانه وتعالى لأنه مخلوق لها.
وكل ما لم
يعرفه ابن آدم إذا عرفه فرح به، مثل لعبة الشطرنج، إذا عرفها فرح بها، ولو نهى
عنها لم يتركها ولا يبقى له عنها صبر. وكذلك إذا وقع في معرفة الله سبحانه وتعالى،
وفرح بها، ولم يصبر عن المشاهدة؛ لأن لذة القلب المعرفة.
وكلما كانت
المعرفة أكبر كانت اللذة أكبر. ولذلك فإن الإنسان إذا عرف الوزير فرح، ولو عرف
الملك لكان أعظم فرحاً.
وليس موجودا
أشرف من الله سبحانه وتعالى؛ لأن شرف كل موجود به ومنه، وكل عجائب العالم آثار
صنعته؛ فلا معرفة أعز من معرفته، ولا لذة أعظم من لذة معرفته، وليس منظر أحسن من
منظر حضرته.
[357] هذه الرسالة ملخصة
بتصرف من (كيمياء السعادة) للغزالي.