اقتربت من مصدر الصوت،
فإذا امرأة في مقتبل شبابها.. كان على وجهها من أنوار الإيمان ما لم أر مثله في
حياتي.. وقد تعجبت من ذلك غاية العجب، فتقدمت إليها، وقلت لها: أي حبيب هذا الذي
ملك عليك قلبك، فلم ترضي بأن تحبيه حبا واحدا حتى أحببته حبين؟
قالت: لا يحب حبين إلا
الجميل الذي لا يفنى ولا يزول، ولا يتغير ولا يتحول.
قلت: ليس ذلك إلا الله.
قالت: فما أبخس بضاعة من
باع قلبه لغير الله، أو أنس بغير مولاه..
قلت: لم؟
قالت([345]): إن في القلب شعثاً لا يلمه
إلا الإقبال على الله.. وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته.. وفيه حزن لا
يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته.. وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه
والفرار منه إليه.. وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه
ومعانقة الصبر على ذلك إلى لقائه.. وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه
ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه
أبداً.