وقد ورد في
بعض الأحاديث إشارة إلى هذا الصنف الذي تستنطق جوارحه، وهم المنافقون الذين حاولوا
أن يحتالوا على قلب الحقائق في الدنيا، وخداع الخلق بها، فلذلك تبقى هذه الأحبولة
في أيديهم يوم القيامة، ويتصورون أنهم سيخادعون الله كما خادعوا الخلق،، قال (ص)
في حديث القيامة الطويل:( ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك آمنت بك
وبنبيك وبكتابك وصمت وصلّيت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع ـ قال ـ فيقال له ألا
نبعث عليك شاهدنا؟ ـ قال: فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه، ويقال:
لفخذه انطقي ـ قال ـ فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، وذلك المنافق، وذلك
ليعذر من نفسه، وذلك الذي يسخط اللّه تعالى عليه)([309])
وحينذاك يندم
الجاحد على جحوده، ويود لو أنه اعترف في البدء لعل ذلك أن يخفف عنه، وهذا هو وجه
الجمع بين قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ
اللَّهَ حَدِيثاً (النساء:42) والتي تفيد بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ولا يكتمون
منه شيئاً، وبين ما رأيناه من صنوف الإنكار.
وكما أن
المحاكمة العادلة تقتضي توفر المحامين الذين يدافعون عن المتهم،
فإن الله تعالى بعدله نصب المحامين الكثيرين من عباده، والذين سماهم الشفعاء.
ولكن هؤلاء
الشفعاء لا يشفعون إلا فيمن رضي الله أن يشفع فيه، فهناك من الجرائم ما لا يمكل
معه هؤلاء الشفعاء شيئا، قال تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طه:109)، وقال:
وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)(سبأ: من