ولا يتعاظمه
ذنب أن يغفره، ولا يغفر شركاً، جحد المشركون فقالوا: وَاللَّهِ
رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين)([307])
وحينما يبلغ
إنكارهم للشهود منتهاه، ويجادلون في الطعن فيهم كما كانوا يجادلون في الدنيا
يأتيهم الله تعالى بما لا يطيقون دفعه، فيقيم عليهم الحجة من أنفسهم، قال تعالى:
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ
أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يّـس:65)
فهذه الآية
تشير إلى أن هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترموه في
الدنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم اللّه على أفواههم ويستنطق جوارحهم بما عملت.
وقد صور لنا
رسول الله (ص) بعض مشاهد ذلك، وهي تدل على قمة العدالة التي تتيح للمجرم أن يناقش
القاضي الأكبر ملك يوم الدين ويجادله وهو يعلم أنه لا يعزب عنه من مثقال ذرة في
السموات ولا في الأرض، فعن أنَس بن مالك قال: كنا عند النبي (ص)
فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال (ص):( أتدرون مم أضحك؟) قلنا:(
اللّه ورسوله أعلم)، فقال (ص):( من مجادلة العبد ربه يوم
القيامة، يقول: رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: لا أجيز عليَّ إلا
شاهداً من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين شهوداً،
فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام،
فيقول: بعداً لكن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل)([308])
فقول المتهم
في الآخرة:( رب ألم تجرني من الظلم) يدل على الضمانات الكثيرة التي أخذها العباد
لإقامة العدالة المطلقة في ذلك اليوم، وقوله:( فعنكن كنت أناضل) دليل على مدى
الحرية