بعد
كل هذا، فإن الله تعالى ـ بعدله ـ يتيح كل الفرص للإنسان للدفاع عن نفسه،
حتى أن له الحق في الطعن في الشهود أنفسهم، حتى لو كانوا ذوي مكانة عالية، ففي
الحديث يقول رسول الله (ص):( يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل
بلَّغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم؟ فيقولون ما أتانا من نذير وما
أتانا من أحد، فيقال لنوح من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته، قال فذلك قوله تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (البقرة: من
الآية143) قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم)([305])
وفي حديث آخر
تصوير مفصل لمحاورات ذلك المشهد، قال (ص):( يجيء النبي يوم القيامة،
ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعي قومه فيقال: هل بلَّغكم هذا؟ فيقولون: لا فيقال
له: هل بلغت قومك؟ فيقول نعم: فيقال من يشهد لك، فيقول محمد وأمته فيدعى محمد
وأمته: فيقال لهم هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون نعم. فيقال وما علمكم؟ فيقولون جاءنا
نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله تعالى: وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (البقرة: من الآية143)، قال عدلاً
لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
(البقرة: من الآية143))([306])
لكن بعض
المتهمين من أهل جهنم يستغل هذه الفرصة المتاحة له ـ والتي لم يكن يظفر بمثلها في
محاكم الدنيا ـ فلا يكتفي برفض كل الشهود، مع كونهم صفوة الله من عباده، بل يحتال
بالكذب الذي كان يحتال به في الدنيا، بل يحتال بالقسم بالله الذي كان لا يعترف به،
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ
إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
(الأنعام:23)، وقد قال ابن عباس في تفسيرها:( إنهم لما رأووا يوم القيامة أن اللّه
لا يغفر إلا لأهل الإسلام ويغفر الذنوب