فحكمة الله
وعدالته التي قام عليها السموات والآرض تأبى المساواة بين المسيء والمحسن، قال
تعالى:
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
(لنجم:31)
قلت:
وعيت هذا.. ولكن هذا خاص بالمكلف.. فكيف يتحق العدل مع غير
المكلف؟ مع ذلك الصبي الذي مات وهو يحمل بذور الخير والشر، والتي لم تسق بعد
فتنبت.. أو مع ذلك الفلاح الذي عاش في أقاصي الأرض منهمكا مع محراثه لا يعلم بإله،
ولا يعرف نبيا.. أو مع ذلك المعتوه الذي يرمى بالحجارة، ولو كان عاقلا لتبين
معدنه، وتحقق خبثه أو طيبه.. إن قلنا بأنهم يدخلون الجنة، فبأي عمل عملوه؟ وإن
قلنا بأنهم يدخلون النار، فبأي جناية جنوها؟ وإن قلنا: إن أمرهم للمشيئة، أو لعلم
الله فيهم، فلماذا لم يكن أمر الخلق جميعا للمشيئة، فلم تقم محكمة القيامة، ولم
يكن هناك حساب ولا كتب ولا موازين؟ وإن قلنا: إن أمرهم للرحمة، فقد يقول البالغ:
لماذا يارب لم تتوفني صبيا لتشملني رحمتك التي شملت الصبي؟ ويقول العاقل: لم يارب
لم تذهب عقلي لأبصر من الرحمة ما يبصره المجنون؟ ويقول الفيلسوف: لم يا رب لم
تجعلني في غياهب الجهل التي حميت بها ذلك الفلاح البسيط من التعرض لمقتك وعقابك؟ ([277])
قال: لقد ورد
في نصوصنا المقدسة أن هؤلاء الذين لم تتح لهم فرصة التكليف في الدنيا تتاح لهم هذه
الفرصة في الآخرة.. فقد ورد فيها أن الله تعالى يرسل إليهم رسولا، وإلى كل من لم
تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وبناء على ذلك يكون
بعضهم في
[277] ذكرنا المسألة بتفاصيلها والأقوال الواردة فيها في رسالة (أسرار
الأقدار)، وقد اكتفينا هنا بذكر ما ترجح لدينا من الأقوال مما نرى انسجامه مع
العدالة الإلهية.