قال: إن الوصف
الأول للجزاء الإلهي هو المساواة، فالله تعالى يعامل عباده معاملة واحدة،
والمعاملة الواحدة تقتضي أن يجازى كل شخص بحسب عمله، لا بحسب هواه.
ولهذا كانت
آخر آية من القرآن الكريم، أو آخر وصية من الله لعباده هي قوله تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ
مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (البقرة:281)
وهو المعنى
الذي أكدته بتعابير مختلفة كثير من آيات القرآن الكريم، قال تعالى: لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ
(البقرة: من الآية286)، وهذه الآية الكريمة جمعت بين العدالتين: عدالة التكليف
وعدالة الجزاء.
وبهذا، فإن
كسب الإنسان وحده هو الذي يحدد مصيره، والعدل يقتضي تفرد الكسب بتحديد المصير حتى
لا ينجح في هذا الامتحان إلا الجادون المجتهدون الصادقون، كما قال (ص): (الكيس
من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله)([269])
والمراد
بالهوى هنا هو كل ما يتصوره الإنسان فكرا سليما أو ذوقا رفيعا أو كشفا صادقا يحول
بينه وبين ممارسة العمل الذي كلف به الخلق جميعا، أو يجعل له من المزية ما ليس
لغيره مما يتناقض مع نظام العدل الذي بني على أساسه الكون.
ولهذا ما ذكر
الهوى في القرآن الكريم إلا مذموما، وقد قال ابن عباس:( ما ذكر الله هوى في القرآن
إلا ذمه، قال الله تعالى: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ (لأعراف: من الآية176)، وقال تعالى: وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف: من الآية28)، وقال:
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي
مَنْ أَضَلَّ اللَّه (الروم: من الآية29)، وقال: وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ
(القصص: من الآية50)، وقال: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى