ولا يتطرق لهما العدم، وبنى قاعدته في
أصل الحياة على (أن كل حي أبدي، ولا يتولد إلا من خلية)، وهذا الرأي يتضمن أن
تطورات المادة من المادة، وتطورات الحياة من الحياة.
أما الثالث، فهو ما ذهب إليه
الماديون من أن الحياة نشأت من المادة بالتولد الذاتي، وليس لهذا الرأي أي شاهد
تجريبي، أو مستند عقلي، وقال بهذا الرأي الدكتور (باستيان) في إنكلترا، والأستاذ
(هيكِل) في ألمانيا([69]).
قال العظم: دعنا من هذا..
وأجبني ألا ترى أن ما جاء في النصوص الدينية من استعمال كلمة (الخلق) ومشتقاتها
بالنسبة إلى الأحداث والتغيرات التي توجد داخل مجال النظرية المذكورة، مناقضاً أو
معارضاً لمضمون هذه النظرية؟
قال حبنكة: إن هذا يستدعي
الرجوع إلى استعمال كلمة (الخلق) ومشتقاتها في اللغة العربية وفي نصوص الشريعة
الإسلامية.. وقد رجعت إلى هذه النصوص، فوجدت أن هذه المادة اللغوية لا تعني دائماً
الإيجاد من العدم المطلق، بل كثيراً ما تستعمل مراداً منها التحويل في الصفات
والعناصر التركيبية من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع، ومن هيئة إلى هيئة، ومن
خصائص إلى خصائص، دون زيادة شيء على المادة الأولى من العدم المطلق، وفي حدود هذا
الاستعمال نجد قول الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ
مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا
الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا
آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) (المؤمنون)
ففي كل ما ذكر من صور الخلق
نشاهد عمليات التحويل من وضع إلى وضع، ومن حال إلى حال، ومن صورة إلى صورة، ومن
خصائص إلى خصائص، وقد أطلق على هذه التحويلات
[69] نقله حبنكة عن (إسماعيل مظهر) في مقدمته لكتاب
(أصل الأنواع)، تأليف (تشارلز داروين)