أما تحديد
البعد الإدراكي للنظرية فيتلخص بأن النظرية قد اعتمدت على ملاحظة عالم الشهادة من
الكون المنظور المدرك، أما عالم الغيب الذي لا تصل إليه الإدراكات الإنسانية
المباشرة أو عن طريق الأجهزة، فهو عالم خارج بطبيعته عن مجال النظرية، لذلك فإنها
لا تستطيع أن تحكم عليه، لأن حكمهما عليه هو من قبيل الحكم على الغائب المجهول في
ذاته وفي صفاته.
جُلُّ ما تستطيعه النظريات في
هذا المجال هي أن تعلق أحكامها تعليقاً كلياً، أو تصدر أحكاماً مشروطة احتمالية
غير جازمة، وهذا ما تقتضيه الدراسة العلمية المنطقية الحيادية، وتوجبه الأمانة
الفكرية في البحث الجاد عن المعرفة والحقيقة.
وهكذا ظهر لنا أن نظرية
(لافوازيه) لم تتناول من الكون إلا مقطعاً محدود الأبعاد الثلاثة: البعد الزماني،
والبعد المكاني، والبعد الإدراكي، وهذا المقطع هو مجال ملاحظتها.
يضاف إلى كل ذلك أن وجود الحياة
في المادة لم يقترن بأي دليل تجريبي يثبت تحول المادة غير الحية إلى مادة حية، عن
طريق التولد الذاتي، رغم كل التجارب العلمية التي قامت في عالم البحث العلمي حتى
الآن.
لذلك نلاحظ أن الآراء العلمية
في هذا المجال ترجع إلى أصول ثلاثة كبرى:
أما أولها،
فهو ما قرره (أغاسيز) في كتابه (تصنيف العضويات) سنة (1858م) إذ قرر أن
كل نوع من الأنواع خلق بفعل خاص من أفعال القوة الخالقة، و(باستور) مكتشف جراثيم
الأمراض على هذا الرأي، والقائلون بهذا الرأي قد استقر مذهبهم على (أن كل حي لا بد
أن يتولد من حي مثله)
أما الثاني، فهو
ما ذهب إليه (هيرمان أبير هارد ريختر).. إذ رأى أن الفراغ الذي نراه مملوءاً
بجراثيم الصورة الحية، كالجواهر الفردة التي تتكون منها المادة الصماء، كلاهما في
تجدد مستمر،