سكت العظم، فقال حبنكة: لا.. لا
يمكن.. كيف يتسنى لهم رصد المستقبل وهم لا يملكون استقدامه؟
إن جل ما يملكونه قياس المستقبل
على الحاضر والماضي، بشرط استمرار نظام الكون القائم، ولا يستطيعون أن يحكموا على
الكون بأنه لا يمكن أن يتغير نظامه الكلي، فتأتيه حالة من الحالات يمسي فيها
عدماً، أو تنعدم بعض أجزاء منه، أو تضاف إليه أجزاء لم تكن هيئتها ولا مادتها فيه،
فهذا حكم لا سبيل إليه، إنه حكم مجهول، والحكم على المجهول باطل.
فنظرية (لافوازيه) تنطبق على
هذا الكون بشرط استمرار نظامه القائم، وهي لا تحكم على المستقبل حكماً قاطعاً باستحالة
تغير هذا النظام، ولكن ما دام هذا النظام الكوني قائماً، فإن ضابطه أن جميع ما
يجري من مدركات فيه إنما هو من قبيل التحولات، وبهذا يتبين لنا أن التعميم الزمني
فيها الشامل لكل أزمان المستقبل غير صحيح.
هذا ما يتعلق بتحديد البعد
الزمني للنظرية، أما تحديد البعد المكاني لها فنقول فيه: هل رصد واضعو هذه النظرية
ومقرروها هذا الكون في كل أبعاده المكانية؟.. ألا يحتمل وجود مكان سحيق فيه لم
يرصدوه ولم يعرفوا ما فيه؟.. أفيحكمون عليه إذن حكماً غيابياً قياساً على ما رصدوه
منه في الأمكنة التي استطاعت أن تبلغ إلى مداها أجهزتهم وملاحظاتهم؟
إن هذا الحكم الغيابي مع جهالة
الخصائص والصفات حكم باطل، وهذا طبعاً لا يعني ضرورة مخالفة الغائب للحاضر، ولكن
لا يعني أيضاً لزوم موافقته.
فلا بد إذن من تحديد مكان
النظرية بالأبعاد المكانية التي كانت مجال الملاحظة والقياس والأجهزة، مع التجاوز
بصحة قياس ما شابهها عليها، مما لم يخضع للملاحظة المباشرة.