قال : فأتاه قوم - ممن يظهرون الزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف [1] - فقالوا له : إن صاحبنا حصر [2] عن كلامك ، ولم تحضره حججه . فقال لهم : فهاتوا حججكم . فقالوا له : إن حججنا من كتاب الله . فقال لهم : فأدلوا بها ، فإنها أحق ما اتبع وعمل به . فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبي ( ص ) : * ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) * [3] فمدح فعلهم ، وقال في موضع آخر : * ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) * [4] فنحن نكتفي بهذا . فقال رجل من الجلساء : إنا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها ! ! فقال أبو عبد الله ( ع ) : دعوا عنكم ما لا تنتفعون به . أخبروني - أيها النفر ! - ألكم علم بناسخ القران من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل ، وهلك من هلك ص ت هذه الأمة ؟
[1] رجل متقشف : تارك النظافة والترفه . ( لسان العرب : ج 9 ، ص 282 " قشف " ) . [2] الحصر : ضرب من العي . حصر الرجل حصرا مثل تعب تعبا فهو حصر : عيي في منطقه . ( المصدر السابق : ج 4 ، ص 193 " حصر " ) . [3] الحشر ( 59 ) : آية 9 . [4] الانسان ( 76 ) : آية 8 .