فقوله عليه السّلام : في حديثه الأول لأبي الصامت بعد ما قاله : قلت : فمن يحتمله جعلت فداك ؟ قال : من شئنا يا أبا الصامت ، أو قوله في حديثه الثاني : نحن نحتمله لا يراد منه ما عليه ظاهر الشيعة من الإقرار بولايتهم ، ضرورة أنّه أمر شايع ، على أنّ التفصيل المذكور في حديث المفضل ظاهر في أنّ بعض الأحاديث مما ليس في أيدي ظاهر الشيعة ، وكذا قوله عليه السّلام في حديث أبي ربيع الشامي كما لا يخفى . الأمر الثالث : أنّه يستفاد منها أنّ لهذا الدين الحنيف معارف كثيرة قد خفيت على كثيرين ، توضيحه : أنّه لا ريب في أنّ بعض الأمور اعتبارية محضة كالملكية مثلا فإنها قائمة باعتبار المعتبر وإلا فلا شيء ، وهي إما عرفية سواء أمضاها الشرع أم لا ، وإما شرعية أي أحدثها الشارع اعتبارا ، وبعضها خارجية لا يتوقّف على اعتبار معتبر أصلا كالموجودات الخارجية . ومن المعلوم أنّ الأمور الاعتبارية بأقسامها لا تكون من المعتبر إلا بلحاظ أمر حقيقي دعا المعتبر إلى اعتباره ، مثلا لما كان الإنسان محتاجا إلى الاجتماع والتمدن في إعاشته ، وفي جلب الخير إلى نفسه ، ودفع المضار عنها ، فهذا الأمر الحقيقي الناشئ عن طبيعة الإنسان ألجأ الكامل منهم إلى اعتبار أمور غير حقيقية يترتب عليها النظام الاعتباري ، المتوقف عليه رفع تلك الاحتياجات ، وذلك كالرياسات وأنواع المعاشرات والملك وسائر الاختصاصات ، فلأجل تحقق أمر حقيقي في الإنسان اعتبرت هذه الأمور دون الحيوان لعدم ذلك فيه . ثم إنّ المراد من تحقيق الأمر الحقيقي في الإنسان هو أنّ الإنسان مركب من عناصر كثيرة كالشهوة والغضب والجوع والشبع وغيرها ، ولكلّ منها آثار تبرز في الإنسان ، وتقتضي مقتضاه على الإطلاق ، ومن المعلوم أنّ تخليتها في الطلب والإطلاق توجب الهرج والمرج ، إلا أنه لما جعل الله تعالى تلك الغرائز بقدرته في الإنسان بنحو يقبل التئام بعضها مع بعض بلحاظ الآثار في الظاهر ، وإنما يدركه الكامل العاقل فيعتبر على طبقها أمورا لحفظ نظام الظاهر .